للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القرطبي في شرحه لهذا الحديث: "معنى ذلك أن الإنسان بحكم العادة يجد في نفسه نفرة وكراهة مما يتطير به، فينبغي له ألا يلتفت إلى تلك النفرة، ولا لتلك الكراهة، ويمضي لوجهه الذي خرج إليه، فإن تلك الطيرة لا تضر، وإذا لم تضر فلا تصد الإنسان عن حاجته، وأشار به إلى أن الأمور كلها بيد الله تعالى فينبغي أن يعول عليه، وتفوض جميع الحوائج إليه، ويفهم منه: أن هذا الوجدان لتلك النفرة لا يلام واجدها عليها شرعًا؛ لأنه لا يقدر على الانفكاك عنها، وإنما يلام الإنسان أو يمدح على ما كان داخلًا تحت استطاعته" (١).

وقال المازري حول هذا الحديث: "أي يجدون ذلك ضرورة فلا ملام عليهم فيه، ولكن إنما يكون اللوم على توقفهم عن إمضاء حوائجهم لأجل ذلك، وهو المكتسب فنهاهم أن يصدهم ذلك عما أرادوا فعله" (٢).

وبيَّن القرطبي في موضع آخر أن المعرض عما يجد الماضي في حاجته على سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد يُذهبُ الله سبحانه وتعالى عنه ما يجد إذا علم منه صدق التوكل، وصحة التفويض، حيث قال: "المتطيَّر ليس على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلَّا أن يمضي لوجهه، ويعرض عنها، غير أنه قد لا يقدر على الانفكاك عنها، بحيث لا تخطر له مرة واحدة، فإن إزالة تأثيرها من النفوس لا تدخل تحت استطاعتنا ... لكنه إذا صحَّ تفويضه إلى الله تعالى وتوكل عليه وداوم على ذلك أذهب الله تعالى ذلك عنه، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "ولكن الله يذهبه بالتوكل" (٣) " (٤).


(١) المفهم (٢/ ١٤١).
(٢) المعلم (١/ ٢٧٥).
(٣) سبق تخريجه ص (٣٠٥).
(٤) المفهم (٥/ ٦٢٨).

<<  <   >  >>