للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبيَّن أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما كان يتطير بشيء، إنما كان يحب الفأل، وعرف الفأل، فقال: هو أن يسمع الإنسان قولًا حسنًا، أو يرى شيئًا يستحسنه يرجو منه أن يحصل له غرَضه الذي قصد تحصيله، وهذا معنى ما فسر به النبي -صلى الله عليه وسلم- الفأل، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكره الطيرة، ويعجبه الفأل ... وإنما كان يعجبه الفأل؛ لأنه تنشرح له النفس، وتستبشر بقضاء الحاجة وبلوغ الأمل، فيحسن الظن بالله -عز وجل- (١). قالت عائشة -رضي الله عنها-: تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحظى عنده مني، وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال" (٢).

وقد جعل القرطبي -رحمه الله- قول عائشة هذا ردًا على الجُهَّال الذين يتشاءمون من شهر شوال، وبيَّن أنه ينبغي إزالة ما في أذهان هؤلاء الجُهَّال من هذه الخرافات بالعمل على مخالفتها، فقال: هذا إنما قالته عائشة -رضي الله عنها- لترد به قول من كان يكره عقد النكاح في شهر شوال ويتشاءم به ... ولذلك قالت عائشة ذلك رادَّة لذلك الوهم: "فأي نسائه كان أحظى عنده مني" أي: لم يضرني ذلك ولا نقص من حظوتي، ثم إنها تبركت بشهر شوال، فكانت تحب أن تدخل نساءها على أزواجهن في شوال للذي حصل لها فيه من الخير برسول الله، ومن الحظوة عنده، ولمخالفة ما يقول الجهال من ذلك.

ومن هذا النوع كراهة الجهال عندنا اليوم عقد النكاح في شهر المحرم، بل ينبغي أن يتيمن بالعقد والدخول فيه تمسكًا بما عظم الله


(١) المفهم (٥/ ٦٢٦، ٦٢٧).
(٢) المفهم (٤/ ١٢٣).

<<  <   >  >>