للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورسوله من حرمته وردعًا للجهال عن جهالاتهم" (١).

على أنه ربما عورض ما سبق تقريره بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" (٢) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يورد مُمرضٌ على مُصح" (٣) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الشؤْمُ في ثلاثة: المرأة والفرس والدار" (٤).

أما الحديث الأول فقد قال القرطبي عند شرحه: "هذا الخطاب إنما هو لمن يجد في نفسه نفرة طبيعية لا يقدر على الانتزاع منها فأمره بالفرار لئلا يتشوش عليه ويغلبه وهمه وليس ذلك خوفًا لعدوى" (٥).

وأما الحديث الثاني: فقال القرطبي في شرحه: "إنما نهى عن إيراد الممرض على المصح مخافة الوقوع فيما وقع فيه أهل الجاهلية من اعتقاد ذلك، أو مخافة تشويش النفوس وتأثير الأوهام، وهذا كنحو أمره -صلى الله عليه وسلم- بالفرار من المجذوم فإنا وإن كنا نعتقد أن الجذام لا يعدي فإنا نجد من أنفسنا نفرة وكراهية لذلك حتى إذا أكْرَهَ الإنسان نفسه على القرب منه، وعلى مجالسته تألمت نفسه وربما تأذت بذلك ومرضت ويحتاج الإنسان في هذا إلى مجاهدة شديدة ومكابدة، ومع ذلك فالطبع أغلب، وإذا كان الأمر بهذه المثابة فالأولى بالإنسان ألا يقرب شيئًا يحتاج الإنسان فيه إلى هذه المكابدة، ولا يتعرض فيه لهذا الخطر، والمتعرض لهذا الألم زاعمًا أنه يجاهد نفسه حتى يزيل عنها تلك الكراهة هو بمنزلة من أدخل على


(١) المفهم (٤/ ١٢٤).
(٢) رواه البخاري في كتاب الطب باب الجذام ح (٥٧٠٧) (١٠/ ١٦٧).
(٣) رواه البخاري في كتاب الطب، باب لا هامة ح (٥٧٧١) (١٠/ ٢٥١) ومسلم في كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة ... ح (٢٢٢١) (١٤/ ٤٦٦).
(٤) رواه البخاري في كتاب الطب، باب الطيرة ح (٣٧٥٣) (١٠/ ٢٢٣) ومسلم في كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم ح (٢٢٢٣) (١٤/ ٤٦٩).
(٥) المفهم (٤/ ٧٥).

<<  <   >  >>