للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسه مرضًا أراد علاجه حتى يزيله، ولا شك في نقص عقل من كان على هذا، وإنما الذي يليق بالعقلاء، ويناسب تصرف الفضلاء أن يباعد أسباب الآلام ويجانب طرق الأوهام ... وبمجموع الأمرين وردت الشرائع، وتوافقت على ذلك العقول والطبائع" (١).

هذا هو الرأي الذي رجَّحه القرطبي في هذه المسألة وللعلماء أقوال كثيرة فيها:

فمن العلماء من رجَّح الأخبار الدالة على نفي العدوى على الأخبار المثبتة لها وبعضهم عكس ذلك. وآخرون حاولوا الجمع بين النصوص بطرق كثيرة أحدها ما ذكره القرطبي (٢).

وكذلك المازري ذكر بعض هذه الأقوال عند الجمع بين نفيه -صلى الله عليه وسلم- للعدوى ونهيه أن يورد ممرض على مصح، لكنه لم يرجح حيث قال: "قال بعض أصحابنا لا يورد ممرض على مصح منسوخ بقوله: "لا عدوى" وقال آخرون: ليس بينهما تناف فيفتقر إلى النسخ، ولكن نفي العدوى، وهي اعتقاد كون بعض الأمراض تفعل في غيرها بطبيعتها، وأما أن تكون سببًا لخلق الباري سبحانه عندها مرض (٣)، ما وردت عليه، فلم ينفه، فإنما نهى أن يورد الممرض على المصح لئلا تمرض الصحاح من قبل الله جلت قدرته عند ورود المرضى فتكون المرضى كالسبب فيها، وقال آخرون: إنما المراد بهذا الاحتياط على اعتقاد الناس لئلا يتشاءم


(١) المفهم (٥/ ٦٢٤) وانظر أيضًا (٥/ ٦١٤).
(٢) انظر فتح الباري لابن حجر (١٠/ ١٦٠).
(٣) هذا على قول الأشاعرة بإثبات وجود تلازم عادي بين الأسباب والمسببات، أي أن المسببات تحدث عند الأسباب لا بها. انظر منهج أهل السنة والجماعة، ومنهج الأشاعرة في توحيد الله (١/ ٣٤٤).

<<  <   >  >>