للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما ذكره القرطبي هنا من أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتبركون بمواطنه، ويدعون ويصلون عندها ليس بصحيح، بل نقل ذلك عن ابن عمر فقط، خالف فيه جميع الصحابة من المهاجرين والأنصار كما قال ابن تيمية.

وقال القرطبي في موضع آخر في كتاب الحج؛ "المبيت بذي طوى ودخول مكة نهارًا ليس من المناسك، لكن إن فعل ذلك اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتتبعًا لمواضعه، كان له في ذلك ثوابٌ كثير، وخير جزيل" (١).

وقال أيضًا: "والتعريس بذي الحليفة ليس من سنن الحج ولا العمرة، ولكنه مستحب تبركًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-" (٢).

على أنه -عفا الله عنه- قد غلا في ذلك، وتجاوز الحد، فقد جعل وجود خاتم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين الصحابة سببًا لاستقامة أمرهم، وفقده سببًا لما حصل بينهم من حروب وفتن، فقال: "وكون الخلفاء تداولوا خاتم النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كان ذلك تبركًا بآثار النبي -صلى الله عليه وسلم-، واقتداءً به، واستصحابًا لحاله، حتى كأنه حي معهم، ولم يزل أمرهم مستقيمًا متفقًا عليه في المدة التي كان ذلك الخاتم فيهم، فلما فُقِد اختلف الناس على عثمان -رضي الله عنه- وطرأ من الفتن ما هو معروف، ولايزال الهرج إلى يوم القيامة" (٣).

بل جعل رؤية قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من العبادات التي يؤثرها العبد على أهله وماله ونفسه والناس أجمعين، حيث قال؛ "من المؤمنين من يكون مستغرقًا بالشهوات محجوبًا بالغفلات عن ذلك المعنى -أي عن محبة


(١) المفهم (٣/ ٣٧٣).
(٢) المفهم (٣/ ٤٥٨).
(٣) المفهم (٥/ ٤١١).

<<  <   >  >>