للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالخلاف إذًا في الساحر الذي لم يشتمل سحره على الكفر، ولم يقتل بسحره. وأما إذا قتل بسحره، أو اشتمل سحره على الكفر فحده القتل عند الجميع. على أن كثيرًا من العلماء يرى أن الساحر لا يتم له السحر إلَّا بخدمة الشياطين له، وهم لا يخدمونه إلَّا بالتقرب إليهم، وهذا كفر. ثم هل تقبل توبة الساحر أم لا؟ في المسألة خلاف أيضًا:

والقرطبي والمازري أخذا بمذهب المالكية في ذلك، وهو قتل الساحر على كل حال.

قال القرطبي: "الساحر عند مالك كالزنديق؛ لأن العمل عنده بالسحر كفر مستسر به، فلا تقبل توبة الساحر، كما لا تقبل توبة الزنديق، إذ لا طريق لنا إلى معرفة صدق توبته ... وإنما صار مالك إلى أن السحر كفر لقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (١) أي بالسحر، ويتأيد ذلك بأن الساحر لا يتم له سحره حتى يعتقد أن سحره ذلك مؤثر بذاته وحقيقته، وذلك كفر.

وبقول مالك قال أحمد وجماعة من الصحابة والتابعين والشافعي في قول له آخر (٢). فالساحر عندنا يقتل على كل حال قتل بسحره أم لا؛ لأنه كالزنديق (٣).

وقال المازري: "الساحر عندنا إذا سحر بنفسه قتل، فإن تاب لم تقبل توبته خلافًا للشافعي، وهذه المسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق؛ لأنه مسرٌّ لما يوجب قتله كالساحر. وإنما قلنا "أنه يقتل


(١) سورة البقرة، الآية: ١٠٢.
(٢) المفهم (٥/ ٥٧٤).
(٣) المفهم (٥/ ٥٦٨).

<<  <   >  >>