للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الجملة؛ لأن من عمل السحر وعلمه فقد كفر، والكافر يقتل، قال تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (١) فإذا ثبت كونه كفرًا وجب القتل به. قال بعض أصحابنا، وقد قال الله تعالى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (١٠٢)} يعني باعوها وبيعه لنفسه يتضمن قتله.

قال الشافعي: "إن عمل السحر (وقال به) (٢) سئل فإن قال تعمدت القتل به قُتِلَ، وإن قال لم أتعمد القتل به كانت فيه الدية. وإذا ثبت أنه كافر استغني عن هذا التفصيل الذي قاله الشافعي" (٣).

لكن إن اعترض على ذلك بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقتل لبيد بن الأعصم الذي سحره، فقد أجاب القرطبي عن هذا الاعتراض فقال: "إنما امتنع النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك لما نبَّه عليه من خوف وقوع شر بين المسلمين واليهود، لما كان بينهم من العهد والذمة، فلو قتله لثارت فتنة، ولتحدث الناس أن محمدًا يقتل من عاهده وأمَّنه، وهذا نحو مما راعاه في الامتناع عن قتل المنافقين حيث قال: "لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" (٤) فيكون ذلك منفرًا عن الدخول في دينه وفي عهده والله تعالى أعلم" (٥).


(١) سورة البقرة، الآية: ١٠٢.
(٢) هكذا في الأصل ولعلها "وَقتَلَ به".
(٣) المعلم (٣/ ٩٣).
(٤) سبق تخريجه ص (٢٩٧).
(٥) المفهم (٥/ ٥٧٤) وقد ذهب الشنقيطي رحمه الله إلى هذا فقال: بينت الروايات الصحيحة أنه ترك قتله اتقاء إثارة فتنة فدل على أنه لولا ذلك لقتله وقد ترك المنافقين لئلا يقول الناس: إنَّ محمدًا يقتل أصحابه فيكون ذلك تنفيرًا عن دين الإسلام مع اتفاق العلماء على قتل الزنديق وهو عبارة عن المنافق والله أعلم. أضواء البيان (٤/ ٦٢).

<<  <   >  >>