للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"من اعتقد اعتقاد كثير من الفلاسفة في كون الأفلاك فاعلة لما تحتها، وكل فلك يفعل فيما تحته حتى ينتهي الأمر إلينا وسائر الحيوان والمعادن والنبات، ولا صنع للباري -سبحانه وتعالى- في ذلك فإن ذلك مروق من الإسلام" (١).

وقال في شرحه للحديث السابق: "هذا يحمل على أن المراد به تكفير من اعتقد أن المطر من فعل الكوكب وخلقه، دون أن يكون خلقًا لله سبحانه كما يقول بعض الفلاسفة" (٢).

وأما النوع الثاني فقد ناقش المازري أصحابه وأطال في ذلك، وبيَّن أن هذه الكواكب ليس فيها دلالة على حوادث الأرض، وأن مرجع قولهم إلى النوع الأول، لكنه لم يصرح بكفرهم، فقال بعد مناقشتهم: "وهذه الطريقة تضعف طريقة الإسلاميين منهم الذين يقولون: لا خالق إلَّا الله عز وجل، وإنما هي دلالة على الغيوب بدلالة أجراها الباري جلت قدرته كما أجرى الغيوم والسحب الثقيلة دلالة على الأمطار، وإن كانت ربما خابت؛ لأن ما يذكرونه من الطرق التي تتحصل المعرفة منها تتسع جدًّا، ولا تنضبط، والحذَّاق منهم يعترفون بهذا، وقد حاول القاضي ابن الطيب (٣) الاعتضاد في الرد عليهم بالسمعيات وما وقع من العموميات في أن لا يعلم الغيب إلَّا الله -عز وجل- وما وقع أيضًا من الآثار عن النبي -صلى الله عليه وسلم-


(١) المعلم (٣/ ١٠٥).
(٢) المعلم (١/ ٢٠٠) وبين أنَّ هذه العبارة لا تجوز وإن اعتقد أنَّ الله سبحانه وتعالى هو الخالق ولكن جعل في بعض الاتصالات من الكواكب دلالة على وقوع المطر لكنه لا يكفر بذلك إذا عبر عنه بعبارة لا يمنع الشرع منها ثم بين أنَّ الظن بمن قال ذلك من العوام إرادة هذا المعنى. انظر المعلم (١/ ٢٠٠).
(٣) هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني. انظر المعلم (١/ ٣٥٨).

<<  <   >  >>