للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فلما ظهرت الجهمية نفاة الصفات تكلم الناس في الجسم، وفي إدخال لفظ الجسم في أصول الدين، وفي التوحيد، وكان هذا من الكلام المذموم عند السلف والأئمة، فصار الناس في لفظ الجسم على ثلاثة أقوال: طائفة تقول إنه جسم، وطائفة تقول ليس بجسم، وطائفة تمسك عن إطلاقه نفيًّا أو إثباتًا، وهذا لكونه بدعة في الشرع، أو لكونه في العقل يتناول حقًّا وباطلًا، فمنهم من يكف عن التكلم في ذلك، ومنهم من يستفصل المتكلم، فإن ذكر في النفي أو الإثبات معنى صحيحًا قبله، وعبَّر عنه بعبارة شرعية، ولا يعبر عنها بعبارة مبتدعة في الشرع، وإن ذكر معنى باطلًا ردَّه، وذلك أن لفظ الجسم فيه اشتراك بين معناه في اللغة ومعانيه المصطلح عليها، وفي المعنى مصطلحات عقلية فيطلقه كل قوم بحسب اصطلاحاتهم وحسب اعتقاداتهم" (١).

"فيقال لمن أطلقه: ما أردت بالجسم؟ فإن قال: أردت الجسم الذي معناه في لغة العرب البدن الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه، فهذا المعنى منفي عن الله تعالى عقلًا وسمعًا" (٢).

"وإن قال: أردت بالجسم ما كان مركبًا من الجواهر الفردة أو المادة والصورة، وأن هذا يقتضي أن يكون تجسيمًا والأجسام متماثلة. قيل له: أكثر العقلاء يخالفونك في تماثل الأجسام المخلوقة، وفي أنها مركبة، فلا يقولون: إن الهواء مثل الماء، ولا أبدان الحيوان مثل الحديد والجبال، فكيف يوافقونك على أن الرب تعالى يكون جسمًا مماثلًا لخلقه إذا أثبتوا له ما ورد في صحيح المنقول من صفاته تعالى" (٣).


(١) منهاج السنة لابن تيمية (٢/ ١٩٨).
(٢) الصواعق المرسلة لابن القيم (٣/ ٩٣٩).
(٣) انظر: الفتاوى لابن تيمية (١٧/ ٣١٧، ٣١٨).

<<  <   >  >>