وإن قال: أردت بالجسم ما يوصف بالصفات ويرى بالأبصار، ويتكلم ويكلم ويسمع ويبصر ويرضى ويغضب، فهذه المعاني ثابتة لله تعالى، وهو موصوف بها، فلا ننفيها عنه تعالى بتسميتك للموصوف بها جسمًا، كما أننا لا نسُبُّ الصحابة لأجل تسمية الروافض لمن يحبهم ويواليهم نواصب، ولا نرد خبر الصادق عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله لتسمية أعداء الحديث لنا حشوية! ! ولا نجحد صفات خالقنا وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه لتسمية الفرعونية المعطلة لمن أثبت ذلك جسمًا مشبهًا! !
فإن كان تجسيمًا ثبوت استوائه ... على عرشه إني إذًا لمجسم
وإن كان تشبيهًا ثبوت صفاته ... فمن ذلك التشبيه لا أتكتم
وإن كان تنزيهًا جحود استوائه ... وأوصافه أو كونه يتكلم
فعن ذلك التنزيه نزهت ربنا ... بتوفيقه والله أعلى وأعظم (١)
وإن أردت بالجسم ما يشار إليه إشارة حسية، فقد أشار أعرف الخلق بأصبعه رافعًا إلى السماء بمشهد الجمع العظيم مستشهدًا له لا للقبلة.
وإن أردت بالجسم ما يقال: أين هو؟ فقد سأل أعلم الخلق به بأين منبهًا على علوه على عرشه، وسمع السؤال بأين وأجاب عنه، ولم يقل هذا السؤال إنما يكون للجسم.
وإن أردت بالجسم ما يلحقه من وإلى، فقد نزل جبريل عليه السلام من عنده، وعرج برسوله - صلى الله عليه وسلم - إليه، وإليه يصعد الكلم الطيب وعبده المسيح رفع إليه.
(١) هذه الأبيات لابن القيم رحمه الله. انظر: الصواعق المرسلة (٣/ ٩٤٠).