للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ردَّ شيخ الإسلام ابن تيمية على هؤلاء الذين يزعمون أن إثبات هذا الحديث، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله خلق آدم على صورة الرحمن" مع قولهم: صورة لا كالصور من باب التناقض، حيث قال: "فإن قيل بأن هذا تصريحٌ أن وجه الله يشبه وجه الإنسان فيقال: لا ريب أن كل موجودين لابد أن يتفقا في شيء يشتركان فيه، وأن أحدهما أكمل فيه وأولى من الآخر، وإلا إذا قدر أنهما لا يتفقان في شيء أصلًا ولا يشتركان فيه، لم يكونا موجودين، وهذا معلوم بالفطرة البديهية، وهذا الذي جاءت به السنة من ثبوت الشبه من بعض الوجوه، وقد أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فوجب قبوله والإيمان به، والله تعالى هو الذي خلق آدم على صورته، وهذا لا يناقض قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لأن المماثلة منفية عن الله تعالى على كل حال، وهذا لا يمنع المشابهة من بعض الوجوه البعيدة، كالوجود والعلم والحياة ونحو ذلك، مع أن المحذور الذي فروا منه إلى تأويل الحديث على أن الصورة بمعنى الصفة يلزمهم فيما أثبتوه نظير ما فروا منه فإن كان مثل هذا لازمًا على التقديرين لم يجز ترك مقتضى الحديث ومفهومه مع أنه لا محذور فيه.

والتشبيه المنفي بالنص والإجماع والأدلة العقلية الصحيحة منتف على التقديرين، فلابد أن يكون بين الذات والذات مشابهة إذا كان على الصفة المعنوية، فكون هذا عالمًا قادرًا، وهذا عالمًا قادرًا، وهذا ذاتًا لها صفات، وهذا ذاتًا لها صفات، لابد أن يثبت التشابه. فوجود ذات ليس لها صفات ممتنع في العقل، وثبوت الصفات الكمالية معلوم بالشرع والعقل. كذلك ثبوت ذات لا تشبه الموجودات بوجه من الوجوه ممتنع في العقل، وثبوت المشابهة من بعض الوجوه في الأمور الكمالية معلوم

<<  <   >  >>