للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يأخذهن بيده اليمنى" (١): "تقدَّم القول في ذكر اليد واختلاف الأصوليين في إثباتها بمعنى الصمة، لا بمعنى الجارحة، وتنازعهم في مقتضى قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (٢) وذكرنا تأويل ما وقع في ذكر اليد، ولكن لما ذكر ههُنا اليمين والشمال كان آكد في إيهام الجارحة، فإذا ثبت استحالة يد الجارحة عليه ووصفه باليمين والشمال، فلابد من حمل هذا على ما يجوز وأمثل ما تؤول عليه عندي: أن الله سبحانه أراد أنه يطوي السموات والأرضين بقدرته، وكنى عن ذلك بذكر اليد؛ لأن بها فعلنا نحن وبها تصرفنا فخاطب بما يفهم وبما يخرج إلى الحس والوجود ليكون أوكد وأرسخ في نفس السامع" (٣).

وهذه التأويلات التي ذكروها بناءً على مذهبهم الفاسد بأن إثبات الصفات يستلزم التجسيم والتشبيه، وهذا زعمٌ باطلٌ؛ لأن اللازم المذكور إنما يلزم من أثبت يدين مماثلتين لأيدي المخلوقين، وأما من أثبت يدين تليقان بالله لا تشبهان أيدي المخلوقين، فإن هذا لا يلزمه ماذكروه؛ لأن إثبات يدين حقيقيتين تليقان بالله تعالى، هو مثل إثبات علم وقدرة وحياة وسمع وبصر يليق بالله تعالى، أما تأويل اليدين بالقوة أو القدرة، أو النعمة، فهذا مذهب الكلَّابية والأشاعرة، وغيرهم، ممن ينفي صفات الله تعالى الخبرية، ولو فرض مجيء اليد بمعنى القدرة، فلا يجوز إطلاق هذا المعنى إلَّا في حق من اتصف باليد على الحقيقة، ولذلك لا يقال: يد الهوى ولا يد الماء" (٤).


(١) رواه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار ح (٢٧٨٨) (١٧/ ١٣٨).
(٢) سورة ص، آية: ٧٥.
(٣) المعلم (٣/ ١٩٥).
(٤) الفتاوى لابن تيمية (٦/ ٣٧٠).

<<  <   >  >>