للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ورد ذكر اليدين في الآية بصيغة التثنية، وتأويلها بالقدرة لا يمكن لأن قدرة الله تعالى صفته وهي مفردة، وقد قال تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (١) إشارة إلى المعنى الذي أوجب السجود، فلو كانت اليد بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وإبليس فرق لتشاركهما فيما خُلق كل منهما به وهي قدرته ولقال إبليس: وأي فضيلة له عليَّ وأنا خلقتني بقدرتك كما خلقته بقدرتك، فلما قال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (٢) دلَّ على اختصاص آدم بأن الله خلقه بيديه.

ولا جائز أن يراد باليدين النعمتان لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق؛ لأن النعم مخلوقة (٣).

وأما جعل قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (٤) من باب العناية بخلق آدم عليه السلام، وتشريفه بالإضافة إليه، فهذا كلام باطل؛ لأنه يقتضي أن اليدين ليستا من الصفات الحقيقية بل من الصفات المعنوية، وهذا مخالف لسياق الآية، ولفهم السلف، وذلك أن الفعل إذا أُضيف إلى الفاعل، وعُدِّيَ الفعل إلى اليد بحرف الباء كقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} كان نصًّا في أنه فعل الفعل بيديه، فلو لم يرد أنه فعله باليد حقيقة كان ذلك زيادة محضة من غير فائدة، وكلام الله تعالى منزَّه عن ذلك" (٥).

وأهل السنة والجماعة قد أجمعوا على إثبات اليدين لله تعالى فيجب إثباتهما بدون تحريف ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل، وهما


(١) سورة ص، آية: ٧٥.
(٢) سورة ص، آية: ٧٦.
(٣) فتح الباري لابن حجر (١٣/ ٤٠٥) وقد نقل هذا عن ابن بطال.
(٤) سورة ص، آية: ٧٥.
(٥) انظر: الفتاوى لابن تيمية (٦/ ٣٦٦).

<<  <   >  >>