للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القرطبي في وصف يد الله تعالى بالشمال: "قوله: "ثم يطوي الأرض بشماله" كذا جاء في الرواية بإطلاق لفظ الشمال على يد الله تعالى، ولا يكاد يوجد في غير هذه الرواية، وإنما الذي اشتهر في الأحاديث "وبيده الأخرى" كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري، وقد تحرز النبي - صلى الله عليه وسلم - من إطلاق لفظ الشمال على الله تعالى، فقال: "وكلتا يديه يمين" لئلا يتوهم نقص في صفة الله تعالى، فإن الشمال في حقنا أضعف من اليمين وأنقص، فنفى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله ذلك، لكنه جاء في هذا الحديث كما ترى على المقابلة المتعارفة في حقوقنا والله تعالى أعلم" (١).

وقال المازري عند شرحه للحديث الذي فيه إثبات الشمال: "لما علم سبحانه أنا نحن نتناول ما نكرم باليمين، وما دونه بالشمال، وأنا نقوى بأيماننا على أشياء لا نقوى عليها بشمائلنا، وكانت السموات أعظم بما لا يتقارب ولا يتدانى من الأرضين، أضاف فعله فيها إلي اليمين وفعله في الأرض إلى الشمال على حسب ما قلناه، من أنا نحاول الأصعب باليمين، والأخف بالشمال، وإن كان الله سبحانه ليس شيء عليه أخف من شيء، ولا شيء أصعب من شيء، ولكنه تعالى خاطبنا بما نفهم، ولما ذكر اليد تمثيلًا أتم المعنى على التمثيل بعينه، ولا يبعد أن يكون في السموات ما هو أفضل من الأرض وكل ما فيها، لاسيَّما إذا قلنا بتفضيل الملائكة، أو يكون الباري سبحانه يفضل السموات لأمور تخفى عنا، فيكون أضافها إلى اليمين لما قلنا من اختصاص اليمين بالأشرف،


= ويؤكد هذا أن أبا داود رواه وقال: "بيده الأخرى" بدل "بشماله" وهو الموافق لقوله - صلى الله عليه وسلم - "وكلتا يديه يمين" والله أعلم. مجلة الأصالة العدد الرابع ص (٦٨).
وانظر: كتاب التوحيد لابن خزيمة (١/ ١٥٩) والأسماء والصفات للبيهقي (٢/ ١٣٨).
(١) المفهم (٧/ ٣٩٢).

<<  <   >  >>