للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خوطبوا بذلك جريًا على منهاجهم، وتوسعًا معلومًا عندهم، وعلى هذا فيمكن حمل الحديث وما في معناه على نحو من هذا، وبيان ذلك: أن السموات والأرض وهذه الموجودات عظيمة أقدارها في إدراكنا، وكبير خلقها في حقنا، فقد يسبق الوهم الغالب على الإنسان أن خلقها وإمساكها على الله كبير، وتكلفها عسير، فنفى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الوهم بهذا الحديث، وبيَّنه على طريق التمثيل بما تعارفناه، فكأنه قال: خلق بيده المذكورات العظيمة، وإمساكها في قدرة الله تعالى كالشيء الحقير الذي تجعلونه بين أصابعكم وتهزُّونه بين أيديكم، وتتصرفون فيه كيف شئتم، ولهذا أشار بقوله: "ثم يقبض أصابعه ويبسطها" (١)، وبقوله: "ثم يهزهن" أي: هن في قدرته كالحبة مثلًا في حق أحدنا، أي: لا يبالي بإمساكها ولا بهزها، ولا تحريكها، ولا القبض والبسط عليها، ولا يجد في ذلك صعوبة ولا مشقة، ومن لا يقنعه هذا التفهيم فليس له إلَّا سلامة التسليم، والله بحقائق الأمور عليم" (٢).

وفي شرحه للحديث الثاني بين أن إثبات الإصبع لله محال، ثم ذكر تأويلات لهذا الحديث، وهي: أن هذا الإصبع يراد به بيان التمكن منه، والتصرف فيه، أو إن الإصبع في الحديث يراد به النعمة والتثنية لأجل نعمة النفع، ونعمة الدفع، فيصرفُ اللهُ عن القلوب ضرًّا ويوصل إليها نفعًا، ثم رد هذا بأنه نفع ودفع يختص بقلوب الصالحين، فتشكل قلوب الفساق والكفار، فرجح تأويله بالنعمة وختمه بقوله: التسليم هو الطريق السليم" (٣).


(١) سبق تخريجه ص (٥٣٧).
(٢) المفهم (٧/ ٣٨٩).
(٣) انظر: المفهم (٦/ ٦٧٢).

<<  <   >  >>