وقال المازري في شرح الحديث الأول:"الإصبع قد يراد به معنى الاقتدار، وقد يراد به معنى النعمة، وهذا الحديث، قد يراد به أن الله خلق السموات على عظمها مقتدرًا عليها، من غير أن يمسه تعب ولغوب، كما أن الإنسان منا لا يشق عليه ولا يتعبه ما يصرفه على إصبعه، والناس يذكرون الإصبع في مثل هذه المعاني احتقارًا، ويقولون: بإصبع واحدة أقتلك، أو أفعل كذا أوكذا، فقد يراد هَهُنا هذا المعنى أن الله سبحانه لم يتعبه خلق ما ذكر ولا شق عليه على عظم مخلوقاته هذه، وقد قال بعض الناس: قد يكون بعض المخلوقات اسمه إصبع، فأخبر بخلق هذه الأشياء عليه، وقال بعضهم: يحتمل أن يُراد إصبع بعض خلقه، وهذا غير مستنكر في قدرة الله سبحانه، والغرض المنع أن يكون لله سبحانه إصبع الجارحة لإحالة العقل له، ثم بعد هذا يتأول على ما يجوز، وقد أرينا طرقًا من التأويل"(١).
وقال عند شرحه للحديث الثاني:"هذا تجوز وتوسع كما يقول القائل: فلان في قبضتي، وبكفي، ولا يريد أنه حال بكفه، وإنما المراد أنه تحت قدرتي، وكذلك يقال: ما أفعل هذا إلَّا بإصبعي، أو فلان بين إصبعي أصرفه كيف شئت، ولا يريد أنه حالٌّ بين الإصبعين، وإنما يريد: أنه هين عليه القهر له، والغلبة، وتصريفه كيف شاء، فكذلك المراد بقوله: "إصبعين من أصابع الرحمن" أي: أنه متصرف بحسب قدرته ومشيئته سبحانه وتعالى لا يعتاص عليه، ولا يفوته ما أراد منه، كما لا يعتاص على الإنسان ما كان بين إصبعيه، ولا يفوته وخاطب العرب من حيث تفهم، ومثَّل بالمعاني المحسوسة تأكيدًا للمعاني في نفوسها، فإن