للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل: فإن قدرة الله سبحانه واحدة، والإصبعان ههنا اثنان، قيل: قد أخبرنا أن ذلك مجاز واستعارة وتمثيل، فوقع الكلام على حسب ما اعتادوه في هذا الخطاب غير مقصود منه إلى تثنية أو جمع، ويحتمل أن يُراد بالإصبع ههنا النعمة ويقال: عندي لفلان إصبع حسنة، أي يد جميلة، ولكن يقال على هذا: فلم ثنَّى النعمة؟ ونعم الله لا تحصى، قيل: لا تحصى آحادها، والأجناس قد تحصى، فيكون المراد بالنعمتين اللتين عبر عنهما بالإصبعين نعمة النفع ونعمة الدفع، فنعمة النفع هي الظاهرة، ونعمة الدفع هي الباطنة، وقد قيل في قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (١): إن الظاهرة نعمة النفع والباطنة نعمة الدفع، وقلب العبد للباري سبحانه عليه نعمة نفع ونعمة دفع، فلا يبعد أن يراد بالنعمتين هاتان أو غيرهما من الأجناس التي تليق بهذا" (٢).

وكلام القرطبي والمازري في هذه الصفة يدل على التكلف الشديد والحرص الأكيد على صرف النص عن ظاهره لزعمهم أن إثباته يستلزم أن يكون من جنس أصابع المخلوقين، وهذا ظنٌّ سيء بالله تعالى، وبكلامه، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقعوا فيه بسبب تأثرهم بالمنهج الكلامي الفاسد المتناقض.

وأهل السنة ينفون التشبيه عن الله تعالى مع إيمانهم بالنصوص وتسليمهم بمقتضاها.

ونرى القرطبي قد صرف الحديث الأول عن الاستدلال به على هذه الصفة إذ جعل هذا من كلام اليهودي الذي أنكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بضحك


(١) سورة لقمان، آية: ٢٠.
(٢) المعلم (٣/ ١٧٩).

<<  <   >  >>