للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رد عليهم ابن قتيبة - رحمه الله - هذه التأويلات بعد ذكره لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن" حيث قال: "ونحن نقول إن هذا الحديث صحيح، وأن الذي ذهبوا إليه في تأويل الإصبع لا يشبه الحديث؛ لأنه عليه السلام قال في دعائه: "يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك" فقالت له إحدى أزواجه: أَوَتَخَاف يا رسول الله على نفسك؟ فقال: "إن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الله عز وجل" (١) فإن كان القلب عندهم بين نعمتين من نعم الله تعالى فهو محفوظ بتينك النعمتين، فلأي شيء دعا بالتثبيت؟ ولم احتج على المرأة التي قالت له: "أتخاف على نفسك؟ " بما يؤكد قولها؟ وكان ينبغي أن لا يخاف إذا كان القلب محروسًا بنعمتين. فإن قال لنا: ما الإصبع عندك ههُنا؟ قلنا: هو مثل قوله في الحديث الآخر: "ويحمل الأرض على إصبع"، وكذا "على إصبعين" ولا يجوز أن تكون الإصبع ههنا نعمة، وكقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (٢) ولم يجز لك ولا نقول: إصبع كأصابعنا، ولا يد كأيدينا، ولا قبضة كقبضاتنا؛ لأن كل شيء منه عز وجل لا يشبه شيئًا منا" (٣).

وقال أبو يعلى في إبطال هذه التأويلات: "فإن قيل: يحتمل أن يكون المراد بالأصابع: الملك والقدرة، ويكون فائدته أن قلوبهم في قبضته جارية على قدرته، وذكر هذا عليه السلام عن طريق المثل.


(١) رواه الترمذي في أبواب الدعوات باب (٩٠) وقال: حديث حسن وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٣/ ١٧١).
(٢) سورة الزمر، آية: ٦٧.
(٣) تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص (٢٠٩).

<<  <   >  >>