للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القدم يعبر به عن هذا المعنى، ولكن في الشرف والجلالة، ويحتمل أن يكون المراد ههُنا بالحديث قدم بعض خلقه، وتكون الإضافة ههُنا إلى الله سبحانه إضافة فعل لا إضافة جارحة، وقد قال بعضهم: يحتمل أن يريد أن الله سبحانه يخلق في الآخرة خلقًا يسمى بهذه التسمية فلا تمتليء النار إلَّا به.

ويحتمل وجه آخر على رواية من رواه "حتى يضع الجبار" أن يريد به الشيطان؛ لأنه أصل الجبارين أو يريد به أحد الكفرة من الجبابرة، فيكون المعنى: لا تمتليء حتى يضع إبليس فيها قدمه، أو هذا المشار إليه، وأما ما خرجه مسلم في بعض طرقه حتى يضع الله رجله، فقد أنكر هذه اللفظة بعض أهل العلم وزعم ابن فورك أنها غير ثابتة عند أهل النقل، ولكن لابد من تأويلها لأجل تخريج مسلم لها، وهو كما وصفناه في كتابنا هذا أولًا ووصفنا أحاديثه، فيصح أن يكون المراد ههنا رجل بعض خليقته وأضاف ذلك إليه عز وجل إضافة فعل لا إضافة جارحة كما قدمناه في القدم، ويصح فيه تأويل آخر أيضًا، وهو أن يكون المراد بالرجل ههُنا الجماعة من الناس كما يقال: رجل من جراد أي جماعة من جراد، وقد وقع ذلك في أشعار كثيرة، وإذا أمكن حمل الحديث على هذه التأويلات الصحيحة الجائزة على الله سبحانه لم يصح حمله على ما تقوله المجسمة من إفادته إثبات الجارحة لله، تعالى عن قولهم، وقد قام الدليل القاطع العقلي على استحالة ذلك عليه جل وعلا، وهذا واضح فتأمله" (١).

وكل هذا التخبط لا يغني من الحق شيئًا فأهل السنة يثبتون القدم صفة لله عز وجل من غير تشبيه، ويردون هذه التأويلات الباطلة على


= واتباع، توفي سنة (٢٣١ هـ). سير أعلام النبلاء (١٠/ ٦٨٧).
(١) المعلم (٣/ ٢٠٠).

<<  <   >  >>