للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد أجهد القرطبي نفسه في جمع ما استطاع لتأييد ما ذهب إليه من التأويل مع وضوح النصوص وجلاء دلالتها، وكان يسعه ما وسع السلف الماضين من الأئمة المرضيين، فقوله هذا من تحميل الصفة ما لا تحتمل، وقد جاءت هذه الألفاظ عن أفصح الخلق - صلى الله عليه وسلم - وأنصحهم للأمة، وبمقتضى هذه النصوص الظاهرة الجلية آمن السلف بإثبات هذه الصفة لله تبارك وتعالى، واعتقدوا ذلك دون تأويل أو تفويض كحال هؤلاء، لكنها المناهج الفاسدة والآراء المبتدعة، والقواعد الباطلة التي هي سمة مذهبهم في الصفات، حيث عطلوا الله تعالى عن صفاته، ورموا من أثبتها بتشبيه ذاته بمخلوقاته، تعالى الله عن ذلك، وختم - عفا الله عنه - حديثه بقوله: "والتسليم أسلم" وليته سلَّم فسلم، والسلامة لا يعدلها شيء. وكذلك المازري سلك هذا المسلك، فالتزم التأويل وصرف النص عن ظاهره من غير دليل، حيث قال: "هذا الحديث من مشاهير الأحاديث التي وقعت موهمة للتشبيه. ولمَّا نقله الأثبات، واشتهر عند الرواة، تكلف العلماء قديمًا وحديثًا الكلام عليه، والنظر في تأويله، فمنهم من حمل القدم على السابق المتقدم، ويقال: للمتقدم قدم، فيكون تقدير الكلام حتى يضع الجبار فيها من قدم لها من أهل العذاب، وهذا كقوله تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (١) معناه: التقدم والسبق، لا قدم الرجل، فإذا وقع مثل ذلك في القرآن حملنا ما وقع في السنة عليه، وإلى هذا التأويل مال النضر بن شميل (٢)، وقد أشار ابن الأعرابي (٣) إلى أن


(١) سورة يونس، آية: ٢.
(٢) النضر بن شميل بن خرشة المازني البصري إمام حافظ عالم بالحديث واللغة تولى القضاء بمرو توفي سنة (٢٠٣ هـ). تهذيب التهذيب (٤/ ٢٢)، تذكرة الحفاظ للذهبي (١/ ٣١٤).
(٣) محمد بن زياد بن الأعرابي الهاشمي إمام في اللغة له عدة مصنفات ورع زاهد صاحب سنة =

<<  <   >  >>