للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرجل، فعبر عن تذليلها بذلك ويشهد لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيضع قدمه عليها" وعلى هذا فيكون "فيها" في الرواية الأخرى بمعنى عليها كما قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (١) أي: على جذوع النخل.

وثانيهما: أن القدم والرجل عبارة عمن تأخر دخوله في النار من أهلها وهم جماعات كثيرة؛ لأن أهل النار يلقون فيها فوجًا بعد فوج كما قال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا} (٢) ويؤيده قوله في الحديث: "لا يزال يلقى فيها" فالخزنة تنتظر أولئك المتأخرين؛ إذ قد علموهم بأسمائهم وأوصافهم كما قد روي عن ابن مسعود أنه قال: ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مقمع ولا تابوت إلَّا وعليه اسم صاحبه، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذي قد عرف اسمه وصفته فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد. قالت الخزنة: قط قط، إي: حسبنا حسبنا اكتفينا اكتفينا فحينئذ تنزوي جهنم على من فيها أي: تجتمع وتنطبق إذ لم يبق أحد ينتظر فعبَّر عن ذلك الجمع المنتظر بالرجل والقدم كما عبرت العرب عن جماعة الجراد بالرجل فتقول: جاء رجلُ من جراد، أي: جماعة منها ويشهد بصحة هذا التأويل قوله في آخر الحديث: "ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ لها خلقًا فيسكنهم فضل الجنة" والله بمراد رسوله أعلم والتسليم في المشكلات أسلم" (٣).

قلت: عفا الله عن القرطبي، ما أشدَّ هذا التكلف! وما أبعد هذا التأويل! لقد أقر الباطل بقوله هذا ودفع الحق، ونسب إلى السلف ما لم يقولوه، وألزمهم بما لم يعتقدوه مع رميه لهم با لتجسيم ووصفهم بالتشبيه.


(١) سورة طه، آية: ٧١.
(٢) سورة الملك، آية: ٨.
(٣) المفهم (٧/ ١٩٣ - ١٩٦).

<<  <   >  >>