للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقلية، وما ثبت للشيء ثبت لمثله (١)، وقد ثبت لهذه الأجسام الحدوث، فيلزم عليه أن يكون الله تعالى حادثًا، وهو محال باتفاق العقلاء والشرائع، ثم انظر غفلتهم وجهلهم بكلام الله تعالى وبمعانيه، فكأنهم لم يسمعوا قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} (٤) ويلزم على قولهم: أن يكون كل واحد منا مثلًا له تعالى من جهة الجسمية والحيوانية والجوارح وغير ذلك من الأعضاء والأعصاب واللحم والجلود والشعور (٢) وغير ذلك وكل ذلك جهالات وضلالات ولله سرٌّ في إبعاد بعض العباد {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣)} (٣) وقد تأول علماؤنا ذلك الحديث تأويلات وأشبه ما فيها تأويلان:

أحدهما: أن النار تتغيظ وتتهيج حنقًا على الكفار والمتكبرين والعصاة، كما قال تعالى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} (٤) وكما قال: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)} (٥) وكما قال في هذا الحديث: "لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد؟ " وكما قال: "تخرج عنق من النار فتقول وكلت بالجبارين والمتكبرين" (٦) فكأنها تعلو وتطغى حتى كأنها تجاوز الحد وفي بعض الحديث أنها تكاد أن تلتقم أهل المحشر فيكسر الله سورتها وحدتها وبردها ويذللها ذل متكبر وطيء بالقدم


(١) سبق الرد على هذه الشبهة الفاسدة التي ينفون بسببها عامة الصفات الذاتية.
(٢) حتى المجسمة لم يقولوا بهذا ولكنه من باب التهويل.
(٣) سورة الرعد، آية: ٣٣.
(٤) سورة الملك، آية: ٨.
(٥) سورة ق، الآية: ٣٠.
(٦) رواه الترمذي في أبواب صفة جهنم باب صفة النار وهو بلفظ "يخرج عُنُقُ من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبَّار عنيدٍ وبكل من دعا مع الله إلهًا آخر، وبالمصورين" والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٢/ ٣٢٠).

<<  <   >  >>