للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سمواته على عرشه، بائن من مخلوقاته، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، وأن الله غني عن العرش، وعن كل ما سواه، لا يفتقر إلى شيء من المخلوقات، بل هو مع استوائه على عرشه يحمل العرش، وحملة العرش بقدرته، ولا يمثل استواء الله باستواء المخلوقين، بل يثبت لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وينفي عنه مماثلة المخلوقات ويعلم أن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهذا مصيب في اعتقاده موافق لسلف الأمة، وأئمتها، فإن مذهبهم أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فيعلمون أن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش" (١).

فضلال هؤلاء في هذا الجانب بسبب قياسهم الخالق بالمخلوق فهم شبهوا أولًا وعطَّلوا ثانيًا، ولو قدروا الله حق قدره لما ظنوا هذه الظنون.

فأهل السنة يثبتون استواء الله تعالى على العرش، ولكنهم لا يسألون عن الكيفية كما سبق إنكار الإمام مالك -رحمه الله تعالى- على من سأل عن كيفية الاستواء.

قال الذهبي بعد نقله لإجابة مالك لمن سأل عن كيفية الاستواء: "وهو قول أهل السنة قاطبة: أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه وأنه كما يليق به، ولا نتعمق ولا نتحذلق ولا نخوض في لوازم ذلك نفيًّا ولا إثباتًا بل نسكت ونقف كما وقف السلف.

ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون ولما


(١) الفتاوى لابن تيمية (٥/ ٢٦٢) وانظر (٥/ ٢٧، ٢٩، ٢٨٤، ٢٨٦).

<<  <   >  >>