قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه لهذا الكلام:"إنما قال الشيخ -رحمه الله- هذا الكلام لأنه لما ذكر العرش والكرسي ذكر بعد ذلك غناه سبحانه عن العرش، وما دون العرش ليبين أن خلقه للعرش، واستواءه عليه، ليس لحاجته إليه، بل له في ذلك حكمة اقتضته، وكون العالي فوق السافل، لا يلزم أن يكون السافل حاويًا للعالي محيطًا به حاملًا له، ولا أن يكون الأعلى مفتقرًا إليه، فانظر إلى السماء كيف هي فوق الأرض، وليست مفتقرة إليها؟ فالرب تعالى أعظم شأنًا وأجل من أن يلزم علوه ذلك، بل لوازم علوه من خصائصه، وهي حمله بقدرته للسافل، وفقر السافل، وغناه هو سبحانه عن السافل، وإحاطته عز وجل به، فهو فوق العرش مع حمله بقدرته العرش، وغناه عن العرش، وفقر العرش إليه، وإحاطته بالعرش، وعدم إحاطة العرش به، وحصره للعرش، وعدم حصر العرش له، وهذه اللوازم منتفية عن المخلوق، ونفاة العلو أهل التعطيل لو فصلوا بهذا التفصيل لهدوا إلى سواء السبيل، وعلموا مطابقة العقل للتنزيل"(١).
وقال ابن تيمية: "من كان يعتقد أن الله يفتقر إلى شيء يحمله -إلى العرش أو غيره- فهو مبتدع ضال، وكذلك إن جعل صفات الله مثل صفات المخلوقين، فيقول: اسعتواء الله كاستواء المخلوق، أو نزوله كنزول المخلوق، ونحو ذلك، فهذا مبتدع ضال، فإن الكتاب والسنة مع العقل دلَّت على أن الله لا تماثله المخلوقات في شيء من الأشياء، ودلَّت على أن الله غني عن كل شيء، ودلَّت على أن الله مباين للمخلوقات عالٍ عليها. وإن كان يعتقد أن الخالق تعالى بائن عن المخلوقات، وأنه فوق