للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستغنائه ألا يعبأ بحقير ذليل فقير (١)، لكن ينزل بمقتضى كرمه ولطفه؛ لأن يقول: "من يقرضُ غير عدوم ولا ظلوم" (٢) ويكون قوله "إلى السماء الدنيا" عبارة عن الحاجة القريبة إلينا، والدنيا بمعنى: القربى، والله أعلم. وقد قيَّده بعض الناس "يُنزلُ" بضم الياء من: أنزل فيكون معدى إلى مفعول محذوف أي: يُنزل اللهُ ملكًا فيقول: كذا، وأما رواية "ينزل" ثلاثيًا من نزل فهي صحيحة أيضا، وهي من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (٣) وقد دلَّ على صحة هذا التأويل ما رواه النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول، ثم يأمر مناديًا يقول: هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى؟ " (٤) وهذا صحيح، وهو نصٌّ وبه يرتفع الإشكال" (٥)

وقال المازري: "معناه ينزل ملك ربنا وهو تقدير حذف المضاف كما يقال فعل السلطان كذا، وإن كان الفعل وقع من أتباعه ويضاف الفعل إليه لما كان عن أمره ويحتمل أن يكون عبر بالنزول عن تقريب الباري تعالى للداعين حينئذ واستجابته لهم، وخاطبهم -صلى الله عليه وسلم- بما جرت به عادتهم ليفهموا عنه، وكأن المتقرب منا إذا كان في بساط واحد مع من يريد الدنو منه عبر عن ذلك بأن يقال: جاء وأتى، وإذا كان في علو قيل: نزل


(١) هذا وصف لجميع بني آدم.
(٢) هو جزء من حديث النزول الذي سبق تخريجه وهذه الزيادة عند مسلم.
(٣) سورة يوسف، آية: ٨٢.
(٤) أخرجه النسائي في السنن الكبرى كتاب عمل اليوم والليلة (٦/ ١٢٤) من رواية الأعمش عن أبي إسحاق السبيعي وأبو إسحاق ثقة لكنه اختلط في آخر عمره، انظر تهذيب التهذيب (٣/ ٢٨٤) ولا يدرى أكانت رواية الأعمش عنه قبل إختلاطه أم بعده.
(٥) المفهم (٢/ ٣٨٦).

<<  <   >  >>