للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتجلى، وقد ورد في الكتاب والسنة: جاء وأتى ونزل وتجلى" (١).

يتبين من كلامهما في هذه المسألة مخالفة مذهب السلف وحيث أن الرواية صحيحة لا مجال للطعن فيها، فقد ذهب القرطبي إلى البحث عن رواية أخرى توافق مذهبه في التأويل، أو تساعده على ذلك ليحمل الروايات الصحيحة عليها، ولا شك أن هذا تكلف مخالف للأصول، وقد جعل القرطبي تلك الرواية التي جاء فيها: "إن الله يأمر مناديًا ينادي" هي الأصل وحمل الروايات الأخرى الصحيحة عليها مع أن في ثبوتها نظرًا، وظاهرها مخالف للروايات المستفيضة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المنادي هو رب العالمين مع أنه يجوز أن الله تعالى مع قوله ذلك يأمر من ينادي ولكن الملك إذا نادى عن الله تعالى لا يتكلم بصيغة المخاطب بل يقول: إن الله أمر بكذا، أوقال كذا، ولا إشكال في هذه الرواية مع الروايات الأخرى كما زعم القرطبي، إنما الإشكال جاء من تأويل النصوص وصرفها عما يراد بها (٢).

وأما ضبط "يُنزل" بضم أوله، فهذا من تحريف المبتدعة للفظ الحديث ليتفق مع مذهبهم في نفي نزول الله تعالى، ولم يرد ذلك في شيء من روايات الحديث الصحيحة.

وأما القول بأن هذا النزول نزول معنوي، فهو صرف للفظ عن ظاهره من غير دليل، ولا مبرر، بل الأدلة بضده فهي صريحة في نزول الله


(١) المعلم (١/ ٣٠٣).
(٢) قال الشيخ الغنيمان عن قول القرطبي هذا: زعم القرطبي أنَّ هذا يزيل الإشكال ونحن نقول لهؤلاء: إن الإشكال لازم لمذهبكم، ولن ينفك عنه، ولن تجدوا ما يؤيده وإن أجهدتم أنفسكم، فهذه الرواية لا تخالف اللفظ الصريح الواضح الذي ضيق خناقكم. انظر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (٢/ ٢٥٩).

<<  <   >  >>