للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى؛ لأن المحبة المتعارفة في حقنا إنما هي ميل لما فيه غرض يستكمل به الإنسان ما نقصه وسكون لما تلتذ به النفس، وتكمل بحصوله والله تعالى منزه عن ذلك. وقد اختلف أئمتنا في تأويلها في حق الله تعالى، فمنهم من صرفها إلى إرادته تعالى إنعامًا مخصوصًا على من أخبر أنه يحبه من عباده، وعلى هذا ترجع إلى صفة ذاته، ومنهم من صرفها إلى نفس الإنعام والإكرام، وعلى هذا فتكون من صفات الفعل" (١).

وقال في موضع آخر: "محبة الله للعبد: إرادة إكرامه وإثابته، ولأعمال العباد: إثابتهم عليها، ومحبة الله تعالى منزهة عن أن تكون ميلًا للمحبوب، أو شهوة، إذ كل ذلك من صفاتنا، وهي دليل حدوثنا، والله تعالى منزه عن كل ذلك" (٢).

وقال المازري: "الباري لا يوصف بالمحبة المعهودة فينا؛ لأنه يتقدس عن أن يميل أو يمال إليه، وليس بذي جنس، أو طبع، فيتصف بالشوق الذي تقتضيه الجنسية والطبيعة البشرية، وإنما معنى محبته سبحانه للخلق إرادته لثوابهم وتنعيمهم على رأي بعض أهل العلم، وعلى رأي بعضهم أن المحبة راجعة إلى نفس الإثابة والتنعيم لا للإرادة" (٣).

ومن خلال هذه النقول يتبين أن القرطبي والمازري لم يثبتا هذه الصفة لله تعالى، وإنما فسَّرا المحبة ببعض علاماتها وثمارها، وهذا خلاف مذهب السلف، حيث يثبتون صفة المحبة لله تعالى من غير تمثيل ولا تكييف ومن غير تحريف ولا تعطيل، وقد توافرت الأدلة من الكتاب والسنة على أن الله تعالى يحب المؤمنين والمتقين، ويحب التوابين


(١) المفهم (١/ ٢١٢).
(٢) المفهم (٦/ ٦٤٣) وانظر أيضًا (٦/ ٥٤٣).
(٣) المعلم (١/ ٣٠٨).

<<  <   >  >>