للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" (١)، قال: "النفس" اسم مشترك يطلق على نفس الحيوان، وهي المتوفاة بالموت والنوم، ويطلق ويراد به: الدم، والله تعالى منزه عن ذينك المعنيين ويطلق ويراد به ذات الشيء وحقيقته، كما يقال: رأيت زيدًا نفسه عينه، أي: ذاته، وقد يطلق ويراد به الغيب كما قد قيل في قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} أي: ما في غيبك، والأليق بهذا الحديث: أن يكون معناه: أن من ذكر الله تعالى خاليًا منفردًا بحيث لا يطلع أحد من الخليقة على ذكره جازاه الله على ذلك بأن يذكره بما أعد له من كرامته التي أخفاها عن خليقته حتى لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون، وقد قلنا: إن التسليم هو الطريق المستقيم" (٢).

والمازري قد ذكر في هذه المسألة كلامًا قريبًا من كلام القرطبي السابق، ولعل القرطبي قد نقل عنه (٣).

وقد ذكر القرطبي المازري القول الصحيح في هذه المسألة عرضًا دون اختيار، وهو: أن يراد بالنفس ذاته تعالى، وهذا الذي عليه عامة علماء السنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "نفسه هي ذاته المقدسة" (٤). وقال أيضًا: "يراد بنفس الشيء ذاته وعينه، كما يقال: رأيت زيدًا نفسه عينه، وقد قال تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} (٥)، وقال: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (٦)، وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ


(١) سبق تخريجه ص (٥٧٣).
(٢) المفهم (٧/ ٧).
(٣) المعلم (٣/ ١٨٣).
(٤) الفتاوى (١٤/ ١٩٦).
(٥) سورة المائدة، آية: ١١٦.
(٦) سورة الأنعام، آية: ٥٤.

<<  <   >  >>