للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد تعدت هنا إلى مفعول واحد، فهي للإبصار، ولا يصح أن يقال: إن الرؤية بمعنى: المعرفة؛ لأن العرب لم تستعمل رأيت بمعنى: عرفت، لكن بمعنى: علمت أو أبصرت، واستعملت علمت بمعنى: عرفت، لا رأيت بمعنى: عرفت. وأما المعنى فمن وجهين:

أحدهما: أنه عليه الصلاة والسلام شبه رؤية الله تعالى بالشمس، وذلك التشبيه لا يصح إلَّا بالمعاينة.

وثانيهما: أن الكفار يعلمونه تعالى في الآخرة بالضرورة، فترتفع خصوصية المؤمنين بالكرامة، وبلذة النظر وذلك التأويل منهم تحريف حملهم عليه ارتكاب الأصول الفاسدة" (١).

وهذه الأصول الفاسدة التي حملتهم على نفي الرؤية هي أدلتهم العقلية التي قال عنها القرطبي: "منع فرق من المبتدعة الرؤية بناءً منهم على أن الرؤية يلزمها شروط اعتقدوها عقليةً كاشتراط البنية المخصوصة، والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع من القرب المفرط، والبعد المفرط، والحجب الحائلة، في خبط لهم وتحكم، وأهل الحق لا يشترطون شيئًا من ذلك عقلًا، سوى وجود المرئي، وأن الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى للرائي، فيرى المرئي، لكن يقترن بالرؤية بحكم جريان العادة أحوال يجوز في العقل شرعًا تبدلها، والله أعلم" (٢).

وقال في موضع آخر: "أهل السنة لا يشترطون في الرؤية عقلانية مخصوصة، ولا مقابلة ولا قربًا، ولا شيئًا مما يشترطه المعتزلة وأهل البدع، وأن تلك الأمور إنما هي شروط عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها، ولذلك حكموا بجواز رؤية الله تعالى في الدار الآخرة مع إحالة


(١) المفهم (١/ ٤١٥).
(٢) المفهم (١/ ٤١٤).

<<  <   >  >>