للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيها على نفي الرؤية، إذ يقال بموجبها: فإن مقتضاها نفي كلام الله على غير هذه الأحوال الثلاثة، وإنما يصلح أن يستدل بها على نفي تكليم الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - على ضعف في ذلك لا يخفى على متأمل، بل قد استدل بعض المشايخ بهذه الآية على أن محمدًا رأى ربه وكلَّمه دون واسطة، فقال: هي ثلاثة أقسام: من وراء حجاب كتكليم موسى، وبإرسال الملائكة كحال جميع الأنبياء، ولم يبق من تقسيم المكالمة إلَّا كونها مع المشاهدة وهذا أيضا فيه نظر" (١).

وفي حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي استدل به أهل السنة على وقوع الرؤية وهو قوله عليه السلام: "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك" (٢). قال المازري: "في هذا الحديث رد على المعتزلة في إحالتهم رؤية الباري عز وجل" (٣).

وقد أوَّل النفاة هذه الرؤية، وقالوا: المقصود بها العلم، فرد القرطبي عليهم في ذلك فقال: هذا تشبيه للرؤية ولحالة الرائي لا المرئي ومعناه: إنكم تستوون في رؤية الله تعالى من غير مضارة، ولا مزاحمة، كما تستون في رؤية الشمس والبدر عيانًا، وقد تأولت المعتزلة الرؤية في هذه الأحاديث بالعلم، فقالوا: إن معنى رؤيته تعالى أنه يعلم في الآخرة ضرورة، وهذا خطأ لفظًا ومعنًى. أما اللفظ: فهو أن الرؤية بمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين ولا يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر، وهي


(١) المفهم (١/ ٤٠٥).
(٢) رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب قوله الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ح (٧٤٣٧) (١٣/ ٤٣٠) ومسلم في كتاب الإيمان باب معرفة الرؤية ح (١٨٢) (٣/ ٢١).
(٣) المعلم (١/ ٢٢٥).

<<  <   >  >>