للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما: أن ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - على جهة التواضع، وترك التطاول على الأنبياء، كما قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أكرم ولد آدم على ربي يوم القيامة ولا فخر" (١) وخصوصًا على إبراهيم الذي هو أعظم آبائه وأشرفهم.

وثانيهما: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك قبل أن يعلم منزلته عند الله تعالى، ثم إنه أعلم بأنه أفضل وأكرم، فأخبر به كما أمر، ألا ترى أنه كان في أول أمره يسأل أن يبلغ درجة إبراهيم من الصلاة عليه والرحمة والبركة والخلة، ثم بعد ذلك أخبرنا أن الله تعالى قد أوصله إلى ذلك لما قال: "إن الله تعالى قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا" (٢).

ثم بعد ذلك زاده الله من فضله، فشرَّفه وكرَّمه، وفضَّله على جميع خلقه، وقد أُورِد على كل واحد من هذين الوجهين استبعاد قال: رُدَّ على الأول أن قيل: كيف يصح من الصادق المعصوم أن، يخبر عن الشيء بخلاف ما هو عليه لأجل التواضع والأدب؟ والوارد على الثاني: أن ذلك خبر عن أمر وجودي، والأخبار الوجودية لا يدخلها النسخ، والجواب عنهما: أن يقال: إن ذلك ليس إخبارًا عن الشيء، بخلاف ما هو عليه، فإنه تواضع يمنع إطلاق ذلك اللفظ عليه وتأدب مع أبيه، بإضافة ذلك اللفظ إليه، ولم يتعرض للمعنى، فكأنه قال: لا تطلقوا هذا اللفظ عليَّ، وأطلقوه على أبي إبراهيم أدبًا معه، واحترامًا له. ولو صرح بهذا لكان صحيحًا غير مستبعد لا عقلًا ولا نقلًا، وهذا كما قال: "لا تفضلوني على موسى" (٣) أي: لا


(١) لم أجده بهذا اللفظ، وقد أخرجه الترمذي بلفظ قريب من هذا في أبواب المناقب، باب في فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص (٤٨٣).
(٢) سبق تخريجه ص (٥٨٩).
(٣) رواه مسلم في كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى عليه السلام ح ٢٣٧٣ (١٥/ ١٣٨)، ولفظه: "لا تخيروني على موسى".

<<  <   >  >>