للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقولوا: محمد أفضل من موسى مخافة أن يُخيَّل نقص في المفضول، كما قدمناه، ويأتي بهذا أظهر هذا اللفظ: أن ذلك راجع إلى منع إطلاق لفظ وإباحته، فذلك خبر عن الحكم الشرعي، لا عن المعنى الوجودي، وإذا ثبت ذلك جاز رفعه ووضعه وصح الحكم به ونسخه من غير تعرض للمعنى والله أعلم.

سلمنا أنه خبر عن أمر وجودي، لكن لا نسلم أن كل أمر وجودي لا يتبدل بل: منها ما يتبدل ولا يلزم من تبدله تناقض ولا محال ولا نسخ، كالإخبار عن الأمور الوضعية، وبيان ذلك: أن معنى كون الإنسان مكرمًا مفضلًا إنما ذلك بحسب ما يكرم به ويفضل على غيره، ففي وقت يكرم بما يساوي فيه غيره، وفي وقت يزاد على ذلك الغير، وفي وقت يكرم بشيء لم يكرم به أحد، فيقال: عليه في المنزلة الأولى مكرَّم مقرَّب، وفي الثانية مفضل بقيد، وفي الثالثة مفضَّل مطلقًا، ولا يلزم من ذلك تناقض ولا نسخ ولا محال، وهذا واضح وحسن جدًّا فاغتبط به، وشد عليه يدًا" (١).

وقال المازري في شرحه لهذا الحديث: "قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أفضل من سائر المرسلين، فيحتمل أن يكون هذا منه - صلى الله عليه وسلم - على جهة التواضع واستثقالًا لأن ينادى بهذا، وقد كان إبراهيم عليه السلام من آبائه - صلى الله عليه وسلم - ويكره إظهار المطاولة على الآباء، وقد يكون فهم من مناديه هذا المعنى، وأخبر في موضع آخر بكونه سيد ولد آدم غير قاصد التعاظم والتطاول على من تقدمه - صلى الله عليه وسلم -، بل ليبين ما أمره الله تبارك وتعالى ببيانه، ولهذا عقب كلامه بأن قال: "ولا فخر" ليزيل ما قد يظن بمطلق هذا الكلام إذا أطلقه غيره من الناس في نفسه، وقد يحتمل قوله ذاك إبراهيم قبل أن يوحى إليه بأنه هو


(١) المفهم (٦/ ١٨٠).

<<  <   >  >>