للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خير منه. فإن قيل: هذا خبر ولا يقع إلَّا صدقًا، والنسخ لا يصح فيه، فلا وجه لعذركم هذا، قلنا: قد يريد - صلى الله عليه وسلم - أن إبراهيم خير البرية فيما يدل عليه ظاهر حاله عندي، وقد يقال: فلان خير قومه وأصلح أهل بلده، والمراد فيه ما يقتضيه ظاهر حاله، وقد مال إلى هذه الطريقة بعض العلماء في تفضيل الفاضل من الصحابة أنه تفضيل على الظاهر، لا على القطع على الباطن، وقد تكون لإبراهيم فضيلة تميز بها عن سائر الرسل، ولكن نبينا - صلى الله عليه وسلم - له من مجموع الفضائل ما يربي عليها حتى يكون أفضل على الإطلاق ولا يكون المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - في إبراهيم عليه السلام "خير البرية" الإطلاق، ولكن في معنى اختص به" (١).

وأما ما ورد من النهي عن المفاضلة بين الأنبياء والدعوة إلى ترك ذلك. فقد قال القرطبي عند شرحه لقوله عليه السلام: "لا تُخَيِّروا بين الأنبياء" (٢): "اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث على أقوال، فمنهم من قال: إن هذا كان قبل أن يوحى إليه بالتفضيل ويتضمن هذا الكلام أن الحديث معارض لقوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (٣) ولما في معنى ذلك من الأحاديث، وأن القرآن ناسخ للمنع من التفضيل، وهذا لا يصح حتى تتحقق المعارضة حيث لا يمكن الجمع بوجه وحتى يعرف التاريخ وكل ذلك غير صحيح على ما يأتي فليس هذا القول بصحيح. ومنهم من قال: إنما قال ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - على جهة التواضع والأدب مع الأنبياء، وهذا فيه بعد، لأن السبب الذي خرج عليه هذا النهي يقتضي خلاف ذلك، فإنه إنما قال ذلك ردعًا وزجرًا للذي فضَّل، ألا ترى


(١) المعلم (٣/ ١٣٠).
(٢) رواه مسلم في كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى عليه السلام ح ٢٣٧٤ (١٥/ ١٤١).
(٣) سورة البقرة، الآية: ٢٥٣.

<<  <   >  >>