للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه قد غضب حتى احمر وجهه، ونهى عن ذلك؟ فدل على أن التفضيل يحرم، ولو كان من باب الأدب والتواضع لما صدر منه ذلك. ومنهم من قال: إنما نهى عن الخوض في ذلك؛ لأن ذلك ذريعة إلى الجدال في ذلك، فيؤدي إلى أن يذكر منهم ما لا ينبغي أن يذكر، ويقل احترامهم عند المماراة، وهذا كما نُهي عنه من الجدال في القرآن والمماراة. ومنهم من قال: مقتضى هذا النهي: إنما هو المنع من تفضيل معين من الأنبياء على معين، أو على ما يقصد به معين، وإن كان اللفظ عامًّا لأن ذلك قد يفهم منه نقص في المفضول.

قلت: ويدل على ذلك أنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث: "لا تفضلوني على موسى" (١) وبدليل قوله: "لا أقول إن أحدًا أفضل من يونس بن متى" (٢). فإن قيل: فالحديث يدل على خلاف هذا، فإن اليهودي فضَّل موسى على البشر، والمسلم قال: والذي اصطفى محمدًا على البشر وعند ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تفضلوا بين الأنبياء ولا تخيروا بين الأنبياء" فاقتضى ذلك المنع من التفضيل مطلقًا، معينًا وغير معين، فالجواب: أن مراد اليهودي كان إذ ذاك أن يصرح بأن موسى أفضل من محمد، لكنه لم يقدر على ذلك خوفًا على نفسه، ألا ترى أن المسلم فهم ذلك عنه فأجابه بما يقتضي أن محمدًا أفضل من موسى غير أنه قابل لفظ اليهودي بمثله، وقد بيَّن ذلك غاية البيان قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تفضلوني على موسى" فنهاهم عن ذلك، ثم إنا قد وجدنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنا أكرم ولد آدم على ربي" و"أنا سيد ولد آدم" (٣) ولم يذهب أحد من العلماء إلى أن هذا منسوخ ولا مرجوح.


(١) سبق تخريجه ص (٦٤٦).
(٢) سبق تخريجه ص (٦٤٨).
(٣) سبق تخريجه ص (٦٤٥).

<<  <   >  >>