للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت - أي القرطبي -: وهذا الوجه، وإن كان حسنًا، فأولى منه أن يحمل الحديث على ظاهره من منع إطلاق لفظ التفضيل بين الأنبياء، فلا يجوز في المعين فيهم ولا غيرهم، ولا يقال فلان النبي أفضل من الأنبياء كلهم، ولا من فلان، ولا خير كما هو ظاهر هذا النهي، لما ذكر من توهم النقص في المفضول، وإن كان غير معين، ولأن النبوة خصلة واحدة لا تفاضل فيها، هانما تفاضلوا بأمور غيرها. ثم إن هذا النهي يقتضي منع إطلاق ذلك اللفظ، لا منع اعتقاد ذلك المعنى، فإن الله تعالى قد أخبرنا بأن الرسل متفاضلون كما قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (١) وكما قد علمنا أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - قد خصَّ بخصائص من الكرامات والفضائل بما لم يخص به أحد منهم، ومع ذلك فلا نقول: نبينا خير من الأنبياء، ولا من فلان النبي اجتنابًا لما نهى عنه وتأدبًا بأدبه وعملًا باعتقاد ما تضمنه القرآن من التفضيل ورفعًا لما توهمه من المعارضة بين السنة والتنزيل" (٢).

ولعل القول الذي ترجحه الأدلة من هذه الأقوال، وتطمئن إليه النفس هو ما استحسنه القرطبي، ولم يأخذ به، وقد رجحه غير واحد من العلماء، وهو أن النهي عن المفاضلة بينهم حيث تؤدي هذه المفاضلة إلى انتقاص المفضول، أو عدم التأدب مع مقام النبوة، خصوصًا عند المجادلة والمماراة كما حدث في سبب ورود هذا الحديث.

وأما ما سوى ذلك مما يُؤمنُ منه هذا الجانب، ويكون التفضيل بناءً على الأدلة الشرعية من القرآن الكريم، أو السنة النبوية، والذي فيه بيان لفضل بعض الأنبياء على بعض، إذ قد كلم الله موسى تكليمًا، واتخذ الله إبراهيم خليلًا، وخلق آدم بيده وجعلَ عيسى كلمةَ الله وروحًا منه، وفضل


(١) سورة البقرة، الآية: ٢٥٣.
(٢) المفهم (٦/ ٢٢٨).

<<  <   >  >>