للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نبينا - صلى الله عليه وسلم - على سائر المرسلين، وآتاه ما لم يؤت أحدًا من العالمين، فهذا حق لا مرية فيه، ولا تعارض بين النصوص، كما قد يتوهم البعض، وهذا ما ذكره المازري عن بعض شيوخه، وسكت عنه، حيث قال: "أما قوله: "لا تفضلوا بين أنبياء الله" فيحتمل أن يكون ذلك قبل أن يوحى إليه بالتفضيل، وكان بعض شيوخي يقول: يحتمل أن يريد لا تفضلوا بين أنبياء الله تفضيلًا يؤدي إلى نقص بعضهم، وقد خرج الحديث على سبب، وهو لطم الأنصاري وجه اليهودي، فقد يكون - صلى الله عليه وسلم - خاف أن يفهم من هذه الفعلة انتقاص حق موسى عليه السلام، فنهى عن التفضيل المؤدي إلى نقص الحقوق" (١).

قال الحافظ ابن حجر: "قال العلماء في نهيه عن التفضيل بين الأنبياء: إنما النهي عن ذلك من يقوله برأيه، لا من يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع" (٢).

وقال الحليمي (٣): "الأخبار الواردة في النهي عن التخيير إنما هي في مجادلة أهل الكتاب وتفضيل بعض الأنبياء على بعض بالمخايرة؛ لأن المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى الازدراء بالآخر، فيفضي إلى الكفر، فأما إذا كان التخيير مستندًا إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان فلا يدخل في النهي" (٤).

وفي إزالة الإشكال الحاصل لدى البعض من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تفضلوني على موسى" مع ما ثبت له - صلى الله عليه وسلم - من الفضائل التي لم تكن لمن


(١) المعلم (٣/ ١٣٤).
(٢) فتح الباري (٦/ ٥١٤).
(٣) أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد النجاري، المشهور بالحليمي، محدث أديب من أعيان المذهب الشافعي، توفي سنة (٤٠٣ هـ). طبقات الحفاظ ص (٤٢٤) ترجمة (٩٢٥)، سير أعلام النبلاء (١٧/ ٢٣١).
(٤) انظر: المنهاج في شعب الإيمان للحليمي (٢/ ١١٧).

<<  <   >  >>