للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى" (١).

وقد بيَّن القرطبي أن المعجزة التي تقع على يد الرسول لا يشترط فيها اقتران التحدي عند كل ظهور لها. لكن يكتفى بالإعلام أولًا بنبوته ودعوة الناس إلى تصديقه ومتابعته.

قال: "قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله" (٢) عند وقوع ما أخبر به من الغيب دليل على أن ذلك من جملة معجزاته، وإن لم يقترن بها في تلك الحال تحد قولي وهذا على خلاف ما يقوله المتكلمون: إن من شروط المعجزة اقتران التحدي القولي بها، فإن لم تكن كذلك فالخارق كرامة لا معجزة والذي ينبغي أن يقال: إن ذلك لا يشترط بدليل أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا كلما ظهر لهم خارق للعادة على يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - استدلوا بذلك على صدقه وثبوت رسالته ... ولم يصدر عنه مع شيء من ذلك تحدٍ بالقول عند وقوع تلك الخوارق، ومع ذلك فهي معجزات والذي ينبغي أن يقال: إن اقتران القول لا يلزم بل يكفي من ذلك قول كلي يتقدم الخوارق كقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - الدليل على صدقي ظهور الخوارق على يدي، فإن كل ما يظهر على يديه منها بعد ذلك يكون دليلًا على صدقه، وإن لم يقترن بها واحدًا واحدًا قول ويمكن أن يقال: إن قرينة حاله تدل على دوام التحدي فيتنزل ذلك منزلة اقتران القول" (٣).

قد يفهم من هذه النقولات موافقة القرطبي والمازري للأشاعرة في مذهبهم في المعجزات، وإن كان القرطبي قد صرَّح بمخالفته لقول


(١) المفهم (٦/ ٥١٧).
(٢) سبق تخريجه ص (٢١٥).
(٣) المفهم (١/ ٣١٩، ٣٢٠).

<<  <   >  >>