للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على صدقهم في ذلك" (١).

وأما المعاصي: فالكبائر لا شك أنهم في عصمة منها، وأما الصغائر التي لا تزري بمكانتهم: فقد وقع الخلاف فيها بين أهل العلم، فذهب بعض العلماء إلى عصمتهم من الصغائر؛ لأن القول بوقوعهم فيها ينافي الاقتداء بهم والأمر بمتابعتهم إذ كيف يصح متابعتهم على المعصية؟ (٢).

وذهب عامة العلماء إلى جواز وقوع الصغائر، منهم من دون إصرار عليها، ولا ملازمة لها، وقد جاءت النصوص في إثبات وقوع ذلك من الأنبياء ومعاتبة الله تعالى لهم. قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (٣) وموسى -عليه السلام- لما قتل القبطي، قال الله تعالى عنه: {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ} (٤)، وداود عليه السلام قال الله تعالى عنه: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (٢٤) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥)} (٥) ففي مسارعتهم إلى التوبة وإنابتهم إلى ربهم زيادة في حسناتهم، ورفعة في درجاتهم.

وأما القول بأن الوقوع في الصغائر يقدح بالتأسي فليس بصحيح، إذ التأسي يكون فيما يُقرّون عليه، كما أن النسخ جائز فيما يبلغون من الأمر والنهي، وليس تجويز ذلك مانعًا من وجوب الطاعة؛ لأن الطاعة تجب فيما لم ينسخ، فعدم النسخ يقرر الحكم، وعدم الإنكار يقرر الفعل،


(١) المعلم (٣/ ١٣١).
(٢) منهم: ابن الجوزي والحافظ ابن حجر وغيرهما. انظر: فتح الباري (١١/ ١٠٥).
(٣) سورة طه، الآيتان: ١٢١، ١٢٢.
(٤) سورة القصص، الآيتان: ١٥، ١٦.
(٥) سورة ص، الآيتان: ٢٤، ٢٥.

<<  <   >  >>