للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأصل عدم كل منهما (١).

وقد جعل شيخ الإسلام هذا القول أحد قولين متطرفين في مسألة العصمة، حيث قال: "واعلم أن المنحرفين في مسألة العصمة على طرفي نقيض كلاهما مخالف لكتاب الله من بعض الوجوه: قوم أفرطوا في دعوى امتناع الذنوب، حتى حرفوا نصوص القرآن المخبرة بما وقع منهم من التوبة من الذنوب ومغفرة الله لهم ورفع درجاتهم بذلك، وقوم أفرطوا في أن ذكروا عنهم ما دلَّ القرآن على براءتهم منه وأضافوا إليهم ذنوبًا وعيوبًا نزههم الله عنها، وهؤلاء مخالفون للقرآن، ومن اتبع القرآن على ما هو عليه من غير تحريف كان من الأمة الوسط مهتديًا إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين (٢).

فالقول الوسط في هذه المسألة هو أن الصغائر يجوز وقوعها من الأنبياء، ولكنهم لا يُقرّون عليها، ويسارعون بالتوبة منها، ولذا لم يذكر الله تعالى عن نبي شيئًا من ذلك إلَّا مقرونًا بالتوبة منه، وتوبة الله عليه.

وهذا ما ذهب إليه القرطبي حيث قال: "اختلف الناس في عصمة الأنبياء من الذنوب اختلافًا كثيرًا، والذي ينبغي أن يقال: إن الأنبياء معصومون مما يناقض مدلول المعجزة عقلًا، كالكفر بالله تعالى والكذب عليه، والتحريف في التبليغ والخطأ فيه، ومعصومون من الكبائر، وعن الصغائر التي تزري بفاعلها، وتحط منزلته، وتسقط مروءته إجماعًا ... واختلف أئمتنا في وقوع الصغائر منهم، فمن قائل: بالوقوع ومن قائل: بمنع ذلك، والقول الوسط في ذلك: أن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا


(١) الفتاوي لابن تيمية (١٥/ ١٤٨، ١٠/ ٢٩٣).
(٢) الفتاوي (١٥/ ١٥٠).

<<  <   >  >>