للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القرطبي: "محمد - صلى الله عليه وسلم - أخَّره عن الأنبياء زمانًا وقدَّمه رتبةً ومكانًا جعله الله واسطة النظام وكمل بكماله أولئك الملأ الكرام، وخصه من بينهم بالمقام المحمود في اليوم المشهود، فهو شفيعهم إذا استشفعوا، وقائدهم إذا وفدوا، وخطيبهم إذا جمعوا وسيدهم إذا ذكروا ... الناس كلهم إذا جمعهم موقف القيامة، وطال عليهم، وعظم كربهم، طلبوا من يشفع لهم إلى الله تعالى في إراحتهم من موقفهم، فيبدؤون بآدم -عليه السلام- فيسألونه الشفاعة فيقول: نفسي نفسي لست لها وهكذا يقول من سُئلها من الأنبياء حتى ينتهي الأمر إلى سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول: "أنا لها" فيقوم في أرفع مقام ويخص بما لا يحصى من المعارف والإلهام وينادى بألطف خطاب وأعظم إكرام: يا محمد! قل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع وهذا مقام لم ينله أحد من الأنام ولا سمع بمثله لأحد من الملائكة الكرام" (١).

هذا في شفاعته العامة لأهل المحشر إذ لا شافع في هذا المقام غيره ومن خصائصه أيضًا فيما يتعلق بالشفاعة أنه أول شافع يوم القيامة في الشفاعات الأخرى غير العامة وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع" (٢).

قال القرطبي في شرح هذا الحديث: "مقصود هذا الحديث أن يبين أنه لا يتقدمه شافع، لا من الملائكة ولا من النبيين، ولا من المؤمنين في جميع أقسام الشفاعات، على أن الشفاعة العامة لأهل الموقف خاصة لا تكون لغيره. وهذه المنزلة أعظم المراتب وأشرف المناقب" (٣).


(١) المفهم (٦/ ٤٧).
(٢) سبق تخريجه ص (٦٤٦).
(٣) المفهم (٦/ ٤٩).

<<  <   >  >>