للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحتمل أن تكون توبة أمته أبلغ حتى يكون التائب منهم كمن لم يذنب ولا يؤاخذ لا في الدنيا ولا في الآخرة، ويكون غيرهم يؤاخذ في الدنيا، وإن لم يؤاخذ في الآخرة، والله أعلم. والذي أحوج إلى هذه الأوجه: اختصاص نبينا - صلى الله عليه وسلم - بهذا الاسم مع أن كل نبي جاء بتوبة أمته فيصدق أنه نبي التوبة فلابد من إبداء مزية لنبينا يختص بها كما بيَّنا، وقوله: "ونبي الرحمة" والرحمة إفاضة النعم على المحتاجين والشفقة عليهم واللطف بهم، وقد أعطى الله نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأمته منها ما لم يعطه أحدًا من العالمين، ويكفي من ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧] (١) فهو أعظم كل رحمة وأمته القابلة لما جاء به قد حصلت على أعظم حظ من هذه الرحمة وشفاعته يوم القيامة لأهل الموقف أعم كل رحمة ولأهل الكبائر أجل كل نعمة وخاتمة ذلك شفاعته في ترفيع منازل أهل الجنة" (٢).

وبالجملة فخصائصه - صلى الله عليه وسلم - كثيرة، سواء فيما أعطاه الله تعالى في الدنيا، أو ما جعله له تعالى في الآخرة من المواقف المحمودة، والمقامات الفاضلة، مع ما خص به تعالى أمته، وأكرمها إذ جعلها خير الأمم، وأكثر أهل الجنة. كل ذلك جاءنا من خبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلَّا وحي يوحى.

قال القرطبي: "وهذه الخصائص والفضائل التي حدث بها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه، إنما كان ذلك منه؛ لأنها من جملة ما أُمر بتبليغه؛ لما يترتب عليها من وجوب اعتقاد ذلك، وأنه حق في نفسه وليُرغَب في الدخول في دينه وليتمسك به من دخل فيه وليعلم قدر نعمة الله عليه في أن


(١) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٧.
(٢) المفهم (٦/ ١٤٧).

<<  <   >  >>