للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين الآيات والأحاديث في هذه المسألة، فقال بعد تقريره لسماع الموتى: "ولا يعارض هذا بقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢)}، ولا بقوله {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نادى أهل القليب وأسمعهم، وقال: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون جوابًا" وقال في الميت: "إنه ليسمع قرع نعالهم" وإن هذا يكون في حال دون حال ووقت دون وقت. وقال في الجمع بين هذه النصوص: إنكار عائشة على ابن عمر سماع أهل القليب إنكار لما رواه الثقة الحافظ لأجل أنها ظنت أن ذلك مُعَارَضٌ بقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢)} وبقوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} ولا تعارض بينهما لوجهين:

أحدهما: أن الموتى في الآية إنما يراد بهم الكفار، فكأنهم موتى في قبورهم والسماع يراد به الفهم والإجابة هنا كما قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)} (١) وهذا كما سماهم صم وبكم وعمي مع سلامة هذه الحواس منهم.

وثانيهما: أنا لو سلمنا أن الموتى في الآية على حقيقتهم فلا تعارض بينها وبين أن بعض الموتى يسمعون في وقت ما أو في حال ما، فإن تخصيص العموم ممكن وصحيح إذا وجد المخصص وقد وجد هنا بدليل هذا الحديث (٢)، وحديث أبي طلحة الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أهل


(١) سورة الأنفال، الآية: ٢٣.
(٢) وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي قال فيه قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، فقالت عائشة - رضي الله عنها -: وَهَلَ إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن". وذلك مثل قوله: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام على القليب يوم بدر وفيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم ما قال: "إنهم ليسمعون ما أقول" وقد وَهَلَ إنما قال: "إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق" ثم قرأت: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} رواه مسلم في كتاب الجنائز باب الميت يعذب =

<<  <   >  >>