ومات فيه من العلماء والأعيان وغيرهم خلائق لا يحصيهم إلَّا الذي خلقهم. وقد كان للطاعون مدد عظيمة لم يقع في هذه البلاد. حدثني بعض مشايخنا عن والده أنه قال: ما كنا نعرف حقيقة الطاعون قبل سنة تسع وأربعين. . . ".
ويضيف أيضًا:
"وفي أواخره كان الطاعون العام بأقطار البلاد وامتد إلى أواخر المحرم من العام القابل، مات بالقاهرة ومصر في اليوم الواحد نحو أحد عشر ألف نفس، وفي بعض تواريخ المصريين أنه كان يموت بالقاهرة كل يوم فوق العشرين ألف إنسان".
وجاء مثل ذلك في تاريخ ابن تغري بردي "النجوم الزاهرة" (١) بقوله:
"كانت هذه السنة (سنة تسع وأربعين وسبعمائة) كثيرة الوباء والفساد بمصر والشام، ومع هذا كان الوباء الذي لم يقع مثله في سابق الأعصار، فإنه كان ابتداء بأرض مصر آخر أيام التخضير في فصل الخريف في أثناء سنة ثمان وأربعين، فما أهلَّ المحرم سنة تسع وأربعين حتى اشتهر واشتد الوباء بديار مصر في شعبان ورمضان وشوال وارتفع في نصف ذي القعدة، فكان يموت بالقاهرة ومصر ما بين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف نفس إلى عشرين ألف نفس في كل يوم. وعملت الناس التوابيت والدكك لتغسيل الموتى للسبيل بغير أجر وحمل أكثر الموتى على ألواح الخشب وعلى السلالم والأبواب، وحفرت الحفائر وألقي فيها الموتى، فكانت الحفيرة يدفن فيها الثلاثون والأربعون وأكثر. . . ".
(١) جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي، "النجوم الزاهرة في تاريخ ملوك مصر والقاهرة" (٩/ ١٩٥)، المؤسسة المصرية العامة - القاهرة.