الثاني: أن كل نسخ كذلك أي قبل وقت الفعل لأن النسخ رفع التكليف ورفع التكليف بعد وقت الفعل ومعه ممتنع أما بعده فلأنه إن أتى المكلف بالفعل فقد انقطع التكليف عنه بنفسه فلا نسخ وإن تركه عصى فلا نسخ وأما معه فلا متناع توارد الإثبات والنفي على شيء واحد في حالة واحدة.
واستدل على جواز النسخ قبل الوقت بقصة إبراهيم - عليه السلام - فإنه أمر بذبح ولده إسماعيل ونسخ عنه قبل التمكن من الذبح أما أنه أمر بذلك فبقوله:(قال يأبت افعل ما تؤمر). وكان الذبح.
وبإقدام إبراهيم - عليه السلام - على الذبح. وبترويعه أي بتخويفه ولده إسماعيل فإنه لو لم يؤمر به ما جاز شيء من ذلك.
وأما أنه نسخ فلقوله:(وفدينه بذبح عظيم).
وأما أنه كان قبل الوقت فلأنه لو تمكن ولم يذبح عصى بتأخيره.
واعترض عليه بجواز أن يكون الذبح موسعا ونسخ بعد مضي وقت يسع الذبح فيه فلا يكون النسخ قبل الوقت.
وأجاب بجوابين:
أحدهما: أن ذلك أي كون الواجب موسعا لا يمنع رفع تعلق الوجوب بالمستقبل لأن الأمر باق عليه أي على المكلف ما لم يأت بالفعل في أول الوقت الموسع وهو أي بقاء الأمر عليه هو المانع عندهم حذرا من توارد النفي والإثبات على محل واحد في حالة واحدة فيمتنع النسخ في باقي الوقت الموسع وبعد انقضائه لانقطاع التكليف بنفسه وفي أول الوقت لتحقق الوجوب فيه فتعين أن يكون قبل الوقت الموسع.
والثاني: أنه لو كان موسعا لأخره لأن العادة تقضي بتأخير مثل ذلك الفعل الهائل رجاء نسخه أو موت أحدهما لعظم الأمر.