واعلم أن المصنف صدر المسألة بجواز النسخ قبل وقت الفعل ثم إنه قال في قصة إبراهيم ونسخ قبل التمكن وهما متغايران لأن المراد بالتمكن هو أن يمضي بعد وصول الأمر إلى المكلف زمان يسع الفعل المأمور به وقد يكون ذلك بعد دخول الوقت لكنه فعل ذلك إشارة إلى أنهما سواء فإن النسخ قبل التمكن يتصور على وجهين:
أحدهما: أن يرد الناسخ بعد التمكن من الاعتقاد قبل دخول وقت الواجب كما إذا قيل: صوموا غدا. ثم قيل قبل الصبح لا تصوموا غدا.
والثاني: أن يرد الناسخ بعد دخول الوقت قبل انقضاء زمان يسع الواجب كما إذا قيل: صم غدا. ثم شرع في الصوم فقبل انقضاء اليوم الذي شرع في صومه قيل: لا تصم. وأشار إلى الوجهين باختلاف العبارة.
وقد دفع بعض الأصوليين هذا الاستدلال بأن إبراهيم لم يؤمر بالذبح وإنما توهم الأمر به أو أمر بمقدمات الذبح لا بنفسه.
وأجاب المصنف بأن هذا الدفع ليس بشيء لأنه لو لم يؤمر بالذبح لما احتاج إلى الفداء.
ودفعوا أيضا بأنه يجوز أنه ذبح والتحم عقيبه أي صار صحيحا بعد الذبح , وبأنه يجوز أن الله - تعالى - جعل صفيحة حديد أو نحاس على حلقه فيمتنع النسخ.
وأجاب بأنه لا يسمع هذا الدفع لأنه لو ذبح والتحم لم يحتج إلى الفداء ولأنه يكون تكليفا بما لا يطاق وهو محال عند المعتزلة ومع ذلك يلزم أن يكون نسخا قبل التمكن لأنه لم يتمكن من الذبح عند وجود الصفيحة.
والحق أنه لا نسخ لأمور منها: أنه كان في المنام إذ قال: (إني أرى في المنام أني أذبحك) ومع ذلك فليس في كلامه ما يدل على أنه كان مأمورا بذلك في المنام.