ولقائل أن يقول: في هذا إبطال لمذهب الأشعري بالكلية؛ لأنه جعل القسمين الآخرين فاسداً، وقد تقدم أن المراد به غير معلوم. وقد التزام في هذا الجواب أن الطريق لو انحصر في الوحي لزم الدور فدل على أن ذلك أيضا باطل كغيره من الطريقين، على أن اعتبار العادة في ذلك غير موجه.
وقال الأستاذ: لو لم يكن القدر المحتاج إليه في التنبيه توقيفيا لزم الدور؛ لأنه حينئذ يكون الكل اصطلاحيا يحتاج في التعليم إلى اصطلاح سابق عليه، وهلم جرا، ولابد من العودة إلى الأول، ضرورة الاحتياج وتناهي الاصطلاحات.
وأجاب المصنف عنه: بأن الجميع لو كان اصطلاحيا جاز أن يعرف الاصطلاح بالترديد والقرائن كما يعرف الأطفال، فلم يلزم الدور.
ولقائل أن يقول في بيان اللغات: إن الله -تعالى- خلق الإنسان حيوانا ناطقا متعجبا ضاحكا كاتبا مدركا للكليات والجزئيات، فكما أنه جعل التعجب والضحك من خواصه لا يحتاج في ذلك إلى تعليم جاز أن يجعل في كل صنف منه قوة بها يقطع الصوت الخارج مع النفس في مخارج الحروف ليصير حروفا وينظمها فتصير كلمة فيترجم بها عما يبدو في ضميره مما يحتاج إليه، وجعل فيه قوة قاصمة يفهم بها عند سماعها من غيره ممن هو من أفراد صنفه بلا وسط، وممن هو من غير صنفه بوسط تكرار ومشاهدة. وقد سمعت ثقات يحكمون أن بعض الملوك الذين كان لهم زيادة اهتمام بمعرفة الأشياء حفظوا صغارا، لم يصلوا حد التكلم عن أن يتكلم عندهم، وربما لم يجتمع بهم أحد إلا عند التغذية فاستنبطوا من تلقاء أنفسهم كلاما وتكلموا به وفهم (٤٨/أ) بعضهم من بعض لسائر اللغات ولم يكن هناك توقيف ولا اصطلاح، فإن التزم أن ذلك الجعل توقيف بوحي لزمه أن لا يخصص الوحي بالأنبياء، فإن