بأنه يدل على أن اللغات سابقة على بعثة الرسل، ولو كانت بالتوقيف بالوحي لكانت البعثة سابقة عليها وهو دور.
وأجاب المصنف بما معناه: إنما يلزم الدور أن لو كانت اللغات سابقة على جميع الرسل، وفي الآية ما ينافيه؛ لأنه قال:(إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ) فكانت سابقة على الرسل الذين لهم قوم، فيجوز أن يتقدم بعثة آدم -عليه السلام- على اللغات؛ لأنه لم يكن له قوم.
وحينئذ يقال: علم الله آدم اللغات بالوحي، ثم علم آدم غيره فتكون اللغات متأخرة عن بعثة آدم، ومتقدمة على غيره من الرسل فلا يلزم الدور.
ولقائل أن يقول: هذا الجواب مخالف للآية؛ لأن فيها (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ) نكرة في سياق النفي مؤكدة (من) الاستغراقية، فكيف يجوز إخراج آدم من عام مؤكد لا يقبل التخصيص بدليل فضلا عن غير دليل بل الجواب (٤٧/ب) أن يقال: علم آدم الأسماء حين لم يكن له قوم، ثم أرسله إليهم بلسانهم الذي يتفاهمون به.
ولسان كل قوم ما تفاهموا به، على أنه إذا كانت اللغات سابقة على بعثة الرسل لا يلزم الدور؛ لأن بعثة الرسل على ذلك التقدير تكون موقوفة على اللغات، ولكن اللغات لا تتوقف على بعثة الرسل بل على تعليم، ولا يلزم أن يكون ذلك التعليم رسالة.
وقوله:(وأما جواز) إشارة إلى تزييف جواب ذكره بعض الأصوليين عن دليل البهشمية، وهو أن يقال: لا نسلم أن اللغات لو كانت توقيفية لزم تقدم البعثة على اللغات، وإنما يلزم ذلك أن لو كان طريق تعليمها منحصرا في الوحي، وهو ممنوع، فإنه يجوز أن يكون التوقيف بخلق الحروف والأصوات في أجسام، أو بخلق علة ضروري في واحد أو جماعة.
ووجه توقيفه: أن التعليم بخلق الأصوات، أو علم ضروري خلاف العادة،