وقال المصنف: والتحقيق أنه يترجح بالاختيار, ومعناه: أن فعل العبد جائز بذاته, ويترجح أحد جانبيه من الصدور وعدمه باختياره, وعند تعلق الاختيار به يصير لازما, واللزوم بالغير لا ينافي كونه جائزا بالذات فيجوز أن يكون حسنا أو قبيحا من حيث ذاته, لأنه لم يبلغ إلى حد اللزوم عن الاختيار, فإن المانع عنه هو ما يكون لازما بغير اختيار, وهو الوجوب السابق عليه.
ولقائل أن يقول: الذي ظهر من كلامه هذا أن فعل العبد جائز مفتقر إلى مرجح فيتأتى للخصم أن يقول: الفعل مع ذلك المرجح, إما أن يكون لازما أو جائزا مفتقرا أو اتفاقيا, وهو أول المسألة.
ص- وعلى الجبائية: لو حسن الفعل أو قبح لغير الطلب لم يكم تعلق الطلب لنفسه, لتوقفه على أمر زائد.
وأيضا: لو حسن الفعل أو قبح لذاته, أو صفته لم يكن الباري مختارا في الحكم, لأن الحكم [بالمرجوح] على خلاف المعقول, فيلزم الآخر, فلا اختيار.
ومن السمع (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) لاستلزام مذهبهم خلافه.
ش- هذا دليل على إبطال مذهب الجبائية.
وتقريره: لو كان حسن الفعل وقبحه لغير حسن الطلب من الوجوه والاعتبارات لم يكن تعلق الطلب [٥٠/ب] لنفس الفعل, بل لأجل ذلك الاعتبار العارض بالقياس إلى غيره, لأن التعلق حينئذ يتوقف على حصول ذلك الاعتبار الزائد على الفعل, والتالي باطل, لأن التعلق نسبة بين الطلب والفعل, والنسبة بين الأمرين لا تتوقف إلا على حصولهما. والطلب قديم فإذا حصل الفعل تعلق الطلب به سواء عرض ذلك