وهذان الوجهان مبنيان على عدم جواز التكليف بالمحال، والاختلاف فيه معروف، فكان رد المختلف على المختلف.
وأجاب المصنف: بأن واحداً من الثلاثة معين من وجه، ومجهول من آخر من حيث أنه واجب معين، ويصح التكليف به من هذه الجهة، ومجهول من حيث أنه واحد من الثلاثة، ومن هذه الجهة ينتفي الخصوص ويصح إطلاق غير المعين عليه.
وهذا فاسد؛ لأن الكلام في أن واحداً لا بعينه، هل يتعلق به الوجوب فيصير واجباً أو لا. فلو وصِف ذلك الواحد بالوجوب قبل تعلق الوجوب به لكان تحصيلاً للحاصل، وهو محال.
وقالوا ــ أيضاً ــ: لو كان الواجب واحداً من حيث هو أحدها لا بعينه مبهماً لوجب أن يكون المخير فيه واحداً لا بعينه من حيث أحدها؛ لأن الكلام في الواجب المخير، فإذا كان الواجب المخير واحداً كان المخير فيه واحداً لكن التالي باطل؛ لأنه يستلزم أحد المحالين التخيير بين الواجب وغيره أو اجتماع التخيير والوجوب في أمر واحد، وما يستلزم المحال محال فالتالي محال، فالمتقدم مثله.
وبيان ذلك: أن الواحد الذي هو الواجب، إمّا أن يكون هو الواحد المخير فيه أو غيره، والأول يستلزم الثاني، والثاني الأول، واستحالته من حيث أن المكلف إذا كان مخيراً بين الواجب وغيره جاز له اختيار [٥٩/أ] غير الواجب، وغير الواجب يجوز تركه، فيفضي إلى ترك الواجب مع انتفاء الإثم اللازم للوجوب المستلزم لانتفائه، فما فرضناه واجباً لم يكن واجباً. هذا خلف باطل.