واستدل [٦٦/ب] الجمهور: بأن الأمر طلب يستلزم ترجيح الفعل على الترك وترجيح في المباح، فلا يكون مطلوبا، فلا يكون مأمورا به.
ولمعارض أن يقول: الأمر لطلب وجود المأمور به، وأدنى ذلك أن يكون جائز الإقدام عليه فتثبت الإباحة حتى يقوم الدليل على الزائد.
واستدل الكعبي على ان المباح مأمور به: بأنه واجب، وكل واجب مأمور به، أما الكبرى فظاهرة، وأما الصغرى فلأن كل مباح ترك حرام؛ اذ ما من فعل مباح إلا ويتحقق بمباشرته ترك حرام، وترك الحرام واجب بالإجماع، ولا يتم إلا بمباح، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ولقائل أن يقول: هذا يستلزم أن يكون المباح حراما؛ لأنه ما من فعل حرام إلا ويستلزم ترك مباح، وفعل الحرام حرام، ولا يتم بترك مباح، وما لا يتم الحرام إلا به فهو حرام؛ لتوقفه عليه، فيلزم أن ترك المبارحة حراما، لكن ترك المباخر مباحا.
فإن قيل: ما ذكر الكعبي من الدليل إن صح افضى إلى خروق الإجماع؛ لأن العلماء أجمعوا على أن الأفعال التي تتعلق بها الأحكام خمسه: واجب ومندوب ومباح ومكروه وحرام، وإذا صار المباح واجبا، صار الأحكام أربعه، وهو خلاف الإجماع.
أجاب المصنف عنه: بأن الإجماع يأو بالحمل على ذات الفعل، يعنى ان الأقسام بالنظر إلى ذات الفعل مع قطع النظر عما يستلزم من كونه يحصل به ترك الحرام ينقسم الى خمسه، وحينئذ لا يخرج المباح عن كونه مباحا.
وأما بالنظر إلى ما يستلزمه من كون المباح يحصل به ترك الحرام، يصير واجبا، ولابد من هذا التأويل
جمعا بين الأدلة؛ فإن الإجماع لو حمل على كون الفعلمنقسما إلى الخمسة بالنظر إلى ما يستلزمه لزم
بطلان دليل الكعبي، ولوحملعلى ما ذكرنا عمل بالدليلين جميعا، فكان ذلك واجبا.